تداعيات اغتيال العالم النووي الايراني

آراء 2020/12/07
...

 د. قيس العزاوي

جاء اغتيال العالم النووي الايراني محسن فخري زادة، ليصب الزيت على النار في منطقة هي الاكثر قابليةً للاشتعال وفي ظرف عده الاسرائيلون ليس مناسباً، فحسب وانما هو قد لا يتكرر، فحليفهم الستراتيجي الرئيس ترامب في نهاية ولايته، إن الدلائل كلها تشير الى ان عملية الاغتيال خطط لها بعلم اميركي منذ زمن، وجاءت في سياق مبرمج يرمي الى افشال اية محاولة لتسوية للعلاقات الامريكية الايرانية، التي يزمع الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن باجرائها عند توليه الرئاسة في الشهر المقبل .

أراد الرئيس الاميركي المنتهية ولايته ترامب ان يشعل حرباً ضد ايران، قبيل الانتخابات الاميركية فأوعز لاجهزته الامنية، باغتيال قاسم سليماني، وللامعان في التحدي اعلن على الملأ انه اعطى اوامره بالاغتيال، وبذلك يكون اول رئيس في العالم يعترف بجريمته، فالاغتيال جريمة يعاقب عليها القانون الدولي، وادانها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المعتمد من الامم المتحدة عام 1948، حين جرم كل اشكال القتل خارج القضاء، وقد افشل الايرانيون خطط الحرب المعدة ، فلم يشعلوا الجبهات كما كانوا يهددون.
وبعد ان اخفق ترامب في الانتخابات وهو يعلم بالنوايا السياسية لغريمه بايدن وبخاصة العودة الى الاتفاق النووي مع ايران، الذي انسحب منه أوعز لصديقه نتنياهو بتنفيذ خامس عملية اغتيال لعلماء نوويين ايرانيين(مسعود علي محمدي ومجيد شهرياري عام 2010 وداريوش رضا اينجاد عام 2011 ومصطفى احمدي راشان عام 2012 محسن فخري زاده 2020) في محاولة لاستدراج رد فعل ايراني يكون سبباً في اندلاع حرب،إن العالم كله يعلم ان اسرائيل هي المسؤولة عن اغتيال عشرات العلماء النوويين العراقيين ومئات الاغتيالات السياسية في فلسطين وبلدان اخرى، ولكن لا شيء يردع القوة الاسرائيلية الغاشمة، فالقانون الدولي يقف متحجرا امام سطوتها والامم المتحدة تدين وتطالب بوقف التنفيذ والعالم يكتفي بالاستنكار
 البارد.
تعتقد صحيفة الغارديان البريطانية إن اغتيال محسن زاده لن يكون له تأثير في البرنامج النووي الايراني ولكنه سيؤثر سلباً بالقطع في عملية انقاذ الاتفاق النووي مع ايران، التي يزمع بايدن القيام بها. 
وهو ما يضعنا امام سؤال مركزي وهو: ماذا لو تورطت ايران برد فعل عسكري على اسرائيل وهو احتمال كبير؟ هل ستندلع الحرب التي يحلم بها الثنائي ترامب نتنياهو وما سترافقها من اصوات بانها ستكون بداية لحرق الشرق الاوسط، بل واندلاع حرب عالمية ثالثة، وبعيدا عن المبالغات علينا الاخذ بالاعتبار الحقائق التالية:
أولاً: لا ينبغي باغي حال الاستهانة بالقوة الايرانية، يرى فرزين نديمي المتخصص في معهد واشنطن بشؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج، ان ايران قامت - بمساعدة تقنية ومعرفية من روسيا والصين- بتطوير أسلحة ذات قدرة ساحقة على تنفيذ ضربة ثانية، ولكن يمكن بسهولة تكييفها لتناسب ستراتيجية تنفيذ الضربة الأولى.
ثانياً: عراقة البرنامج النووي الايراني واقدميته اذ يعود إطلاق برنامج إيران النووي الى فترة خمسينيات القرن العشرين وقد تم بمساعدة اميركية واوروبية، باعتباره جزءا من برنامج "الذرة من أجل السلام"، هذه العراقة تجعله راسخاً تقنيا ومعرفياً.
ثالثاً: ترجح المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية والأميركية أن ايران تواصل تقدمها النووي، وعندما تقترب من نقطة اللاعودة تكثّف خطواتها، لتتمكن من إنتاج السلاح النووي في غضون أشهر. 
وانها سبق ان اجرت دراسات تتعلق بتصميم الأسلحة النووية، بما في ذلك وضع المفجر، وتأكيداً لذلك ترى خبيرة الشرق الاوسط في معهد واشنطن آريان طباطبائي أن قرار الجمهورية الإسلامية حتى الآن بعدم تصنيع قنبلة نووية، يُعد خياراً سياسياً أكثر منه نتيجة عراقيل 
فنية.
رابعاً: ان ضلوع ادارة الرئيس ترامب في تشجيع اسرائيل على استفزاز القوة الايرانية وجرها الى الحرب، التي سيكون لأميركا الدور التدميري فيها، تؤكده المعلومات الاسرائيلية، التي تشير إلى أن أحداً في إسرائيل لم يصدق وزير الخارجية الاميركي بومبيو، عندما أكد تعهد بلاده بعدم السماح لإيران بإنتاج السلاح النووي!.
تلك حقائق ينبغي ألا تغيب عن انظارنا، حتى لا تتحول بلداننا العربية الى ساحات تدمير، اذا وقعت الواقعة، يبقى التعويل على ان مراكز القوى الايرانية ستفكر الف مرة قبل الرد في ظل ادارة اميركية معادية.