ابتهال بليبل
دائماً ما يترك الشاعر عمار المسعودي القارئ وهو يفترض أن المرأة في قصائده هي شخصية غامضة، أو كائن لا يمكن تداوله حتى لو كان بصورة رمزية.. كأن الجمال شيء لا يحدث بالصدفة، وبالتالي، فإن قيمته حقيقية. عمد المسعودي إلى توسيع هذه الفكرة في مجموعته الشعرية الصادرة مؤخراً”كتاب فقه النشوة”، فكتب عن النساء بطريقة تضيءالعلاقة بين المرأة والطبيعة وبين النسوية والنظرية الخضراء وتتفاعل مع الحضور الذكوري الذي يكمن بطرق خفية وبأشكال غير متوقعة عن قدراتهن العقلية والعاطفية، وعلاقتهن بالجنس الذكري.
لكن لماذا نتحدّث عن النظرية الخضراء في قصائد المسعوديونعيد تفحصها بعدسة نسوية؟ كما يبدو، إن ما يفَسّر من عنوان “كتاب فقه النشوة” على قدرة الإدراك، ولكن من المعقول القيام بذلك فقط إذا ابتعد المرء عن الجهل، وليس أقله النشوة التي تعني في الأدبيات الإغريقية “أن يطير العقل من الجسد”.
النشوة التي ستكتشفها المرأة في قصائد المجموعة ترفض أن تُخيّر، هي بالطّبع نسوية، لكنّها تحمل، خاصة، هيمنة الطبيعة في قصائد مثل: (محاولة، ما يطعن في المعاجم، حجج الأبيض، اسرار المعارف، وغيرها).. والمقاومة في قصائد أخرى، مثل: (محاولة في جمعي، عن انكساري، توازن، لا يفسر بضياع.. الخ)، وكذلك، إنتاج المعرفة بصفات أنثوية نّابعة من النسوية الإيكولوجية التي هي في الأساس استجابة لكل قيمة إيجابية تم تقليصها واستبعادها تقليدياً كطبيعة.
تبدو فكرة الارتباط الأنثوي بالطبيعة عند الكثيرين رجعية ومهينة، تستدعي صور النساء كأمهات على الأرض، حيوانات متكاثرة، كائنات راضية منغمسة في الجسد.. لذا فمن المغري والشائع أن تنظر النسويات إلى العلاقة التقليدية بين المرأة والطبيعة على أنها ليست أكثر من أداة للاضطهاد، ومن بقايا الجذور القمعية للنظام الأبوي.
يُنظر إلى النساء في أشعار المجموعة على أنهن جزء ضروري من العلاقة بين الذكر والأنثى والجسد والروح، لكنهن كن متنمرات أيضاً، المسعودي يعتقد أنهن لسن أوعية، أقصد النساء، ويدحض الشائع بإمكانية ملئهن (بأي شيء).. هذه القدرة في تحدي الهوس الفوضوي عند الكثير من شعراء الذكورية المألوفة تحيلني لمساحة واسعة من التأويلات الصوفية ليس فقط لأنه هزم عبرها الذكورية بالتفاتة راديكالية، ولكن لأن مظاهر التيار الرومنطيقي تتكشف هنا لتُعيد تعريف الرموز الأنثوية، لاسيما في مسألة استلهام المفاهيم المتعلقة بالإرث الأسطوري.
المسعودي الذي جسد النزعة الرومنطيقية في قصائده هذه المحاطة بالرمزية الصوفية تقابل قبل وبعد كل هذا، الذات الإلهية، التي هي وفق نظرة المتصوفة -كلمة مؤنثة، ويُنظر إليها باعتبارها ذاتاً أنثوية، فإذا أراد الصوفية ذكر حبهم لله، فإنهم يسندون له أسماء مؤنثة- كما أننا لو عدنا قليلاً إلى الأدلة الأثرية التي تشير إلى عبادة الآلهة الأنثوية بوصفها مانحة وحيدة للحياة سنفهم جيداً أن “التصوف هو القدرة على العيش والتفكير من منظور أنثوي”، وبأصولية تتكئ على نزعة إنسانية تُسخر الجهد الفكري بشكل أساس للحديث عن خصائص الجنسين - الذكر والأنثى- والأكثر من ذلك، بارتكازه على لاهوت النفي (الأبوفاتي).
حقيقة.. هذا يجعلني أفكر أن صوفية المسعودي في “كتاب فقه النشوة”تتساوى مع الطاقة الليبيدية الأنثوية التي تفند الروحانية الذكورية، وأرى أن الصوفية الشعرية لديه هي من مظاهر الإلهية الأنثوية. وأزعم أن قصائد “كتاب فقه النشوة” تعبر عن استمرارية العلاقة بين المرأة والإلهية على الرغم من هيمنة الطبيعة بشكل مستمر وتراكمي.
ومع ذلك، فإن مثل هذا المنظور الذي يربط بين هيمنة الطبيعة والإلهية الأنثوية يبدو ممكنا وأساسياً في نفس الوقت لإنصاف التاريخ الأنثوي المتمثل أنثروبولوجيا بالآلهة الأم وربة خصب الطبيعة.