علي وجيه
أمس، وعلى سبيل الفضول، أخذتُ كتاباً من صديقي كان يحمله، وهو ديوانٌ مترجم لشاعر عالميّ، بترجمة شاعر عراقيّ “سبعينيّ”، وصادر عن دارٍ مهمة
وعريقة.
فتحتُ الكتاب لأرى ما تيسّر عن الشاعر، بقلم الشاعر المترجم، وفي الصفحة الأولى، تعثّرتُ بـخمس همزات خاطئة، الوصلُ قطعٌ، والقطع وصل، ثمّ اختلال أحد الفاعلين ليتحوّل إلى منصوبٍ بلا سبب، قلّبتُ السطر، خوفاً من “أن” مختفية، أو شيء مشابه، عبرتُ الصفحة الثانية، فوجدتُ ما هو أقبح من ذلك، وخلال المقدمة التي تمتدّ على صفحات قليلة، خرجتُ بنحو 15 خطأً نحوياً، إملائياً،
وتنقيطياً.
لم تعد اللغةُ المضبوطة، والإملاء الصحيح، ترفاً، هو جزءٌ من صناعة الكتاب، والتفكير المنطقي الذي يحمله الكاتب والشاعر، وما زلتُ شخصياً أرى أن مَن لا يجيد الكتابة، لا يُجيد القراءة ولا الفهم. ربما كان الأمر استسهالاً من الشاعر المترجم، وربّما كان السنّ سبباً بعدم ضبط هذا، أو التعامل مع الكومبيوتر، لكن النتيجة واحدة.
كلّ الدور تقريباً، تطبعُ كتبها دون المرور لا على مُصحّحٍ، أو محرر، وتمتد هذه الحالة السيئة حتى على دورٍ ربّت القارئ العربي على إصداراتها منذ السبعينيات، فالأمر لا يحتمل جهداً إضافياً، لا أحد يعترض، ولا أحد يهتم بالأناقة للمطبوع والمتن، إلاّ بضعة من البشر، و”الخَبز” هو ثيمة
كلّ شيء.
في أزمان سابقة، ثمّة كتب رديئة كثيرة، نقرأها للتندّر أحياناً، لكنك تخرج بثمرة لا بأس بها: وهو أن هذا الكتاب الرديء ذو لغةٍ قويمة وإملاء سليم، أما اليوم يحدث بأن تنتظر كتاباً بشغف، وما أن تصله حتى تتعثر بالأخطاء كمن يقود سيارته على طريق كركوك، ذي المطبّات والحفر العديدة، حتى يخلعُ عن الكتاب لذته، وعن الأسلوب جماليته.
لا يكلّف المصحح اللغوي، إلاّ نقوداً بسيطة، قياساً بسعر الطبع، لكنه ينظّف النصّ من تعثّراته التي تزعجُ قرّاءه، الأمر يشبه بكثير إرسال صحن حلوى لبيت الجار وفيه ذبابة، لن تهم الحلوى ولا صاحبها، ولن يأكل منها أحد، إلاّ الذي فقد التمييز بين الحلوى
والذباب!
دورٌ كثيرة مجدّة ومجتهدة، تعرضُ كتبها على محرر ومصحح، لكن دوراً أخرى عجيبة، تقيم حفلة تنكيل بحق اللغة والإملاء، وترسل هذا التنكيل ليكون ضيفاً خالداً في المكتبة، على مرّ السنوات!