أمامي الآن العديد من صور النساء العراقيات اللائي شاركن الرجال في التصدي لـ "داعش" ابان معارك التحرير والنصر (2014-2016) سواء في ساحة المعركة أو بين الأحياء السكنية أو في مختلف المجالات الأخرى.
تقويم الساعة التناظرية على شاشة " اللابتوب"، يقول إن ذلك كان من أعوام، ولكن تقويم الذاكرة هو ما يهمنا ويهم كل امرأة لعبت الحرب أدواراً رئيسة في حياتها، وفي وضع العوائق أمام العدالة والسلام، وكيف أن الهدف الأسمى لهذه المشاركة يؤكد على أهمية الهوية الثقافية التي تشكل المرأة، وتعد حاسمة عند تقييم العلاقة بين النسوية والوطنية.
لم يكن موقف النساء في مساندة الرجال في مواجهة الأزمات والصراعات قد تغير، فهناك مواقف كثيرة لعراقيات تحملن الكثير من المصاعب، وكسرن القواعد التقليدية عبر تقويض ما تبنته، أبرز النسويات المناهضات للحروب العسكرية الكاتبة البريطانية النسوية فيرجينيا وولف ودعّت إليه عندما كتبت "تحتاج المرأة إلى غرفة تخصها وحدها ومبلغ من المال يمنحها الخصوصية اللازمة، ويوفر لها الاستقلال الاقتصادي، بعيداً من ضغط التفاصيل اليومية والدور المنوط بها".
فوولف-كما تخبرنا مواقف النسويات تجاه ثنائية السلام والحرب- أنها لم تر في فكرة مشاركة المرأة للرجل ومساندته في الحروب والصراعات والأزمات خطوات تأخذ بها لتحقيق المساواة، بل كانت تسعى وتطالب بتحرير الرجال من ثقافة النزعة العسكرية. كما تعتقد أيضاً بوجود تشابه ما بين الرجل والحرب في التأثير على حياة المرأة.
مع ذلك، نجحت المرأة العراقية بتجربة التصدي لـ " داعش" مع الرجل -لفترة على الأقل- في درء المخاطر عن البلاد.. درء المخاطر التي تترجم في "المواطنة الكاملة والهوية الثقافية" وتكون أساسية لفرض المساواة بين الجنسين في الشأن الأمني والعسكري والسياسي، فضلاً عن أن مشاهد تضامن النساء مع الرجال عسكرياً نقطة دخول مهمة لتحرير المرأة.
لعلّ مواكبة المنظور النقدي للثقافة النسوية تجاه عسكرة النساء ومشاركتهن في الحروب، يجلب لنا نوعاً من الازدواجية المحيرة، فتارة يتم رصد العلاقة السلبية بين النسوية والعسكرة والحرب، وتارة أخرى تمثل لنا بشكل صريح العلاقة الإيجابية بين النسوية والمساواة أو التكامل بين الجنسين، وهي بالضرورة- أقصد العلاقة- سلبية بين النزعة العسكرية والتكامل بين الجنسين.
كنت وما زلت أعتقد بأن مشاركة المرأة للرجل في التصدي لـ "داعش" أكثر منطقية لديّ في تكوين علاقة إيجابية بين النسوية والمساواة في العموم. لكن العلاقة السلبية بين النسوية والعسكرة تجعلني أفكِّر أيضاً في خطورة الاستسلام لداعش، ذلك الإرهاب الذي راح –آنذاك- الكثير من أبناء وبنات شعبنا ضحية تطرفه وقسوته.
إنني أتساءل هنا عن الفرق بين وضعيّة المنظورات النسوية ووضعيّة النساء اللواتي يتعرضن للاختطاف والتعذيب والاغتصاب وغير ذلك من عنف جمعي ذكوري ارهابي، كيف يمكن أن أتعامل بشأن هذه القضية من منظور نسوي، كيف يمكن أن أتنكر لاستخدام القوة – بوصفها حالة من الرهبة والعنف- من قبل النساء اللواتي عليهن أن يواجهن مثل هذه الوحوش الإرهابية؟
تحضر في الذهن الآن الروائيّة البيلاروسيّة سفيتلانا أليكسييفيتش الحائزة على جائزة نوبل في الآداب عام 2015 على روايتها الأرشيفية " ليس للحرب وجه أنثوي"، وهي بالنسبة لي من أكثر الروايات النسوية إثارة. لقد أخذتني أو بالأحرى كشفت لي عن حياتي كامرأة عاشت الحرب وتبعاتها، حين كتبت في مقدمتها: (ما الذي أذكره عن الحرب؟ إنه حنيني الطفولي بين كلمات مرعبة وغير مفهومة. كنّا نتذكّر الحرب دوماً: في المدرسة وفي البيت، في الأعراس وفي التعميد، في الأعياد وفي المآتم. وحتى في أحاديث الأطفال. سألني ابن الجيران ذات يوم: "وماذا يفعل الناس تحت الأرض؟ وكيف يعيشون هناك؟". نحن أيضاً إذا أردنا معرفة سرّ الحرب).