كانت الموصل، إبّان تعرّضها لتوحّش داعش ومشتقّاته، تتعرّض لتجريحٍ وتنكيل لم يصدر من الإرهابيين فحسب، بل الأشد كان تنكيل الفضاء العام، المواقع التي أتاحت لمَن لا تشكّل قيمته، ليحكم على سكّان الموصل بأكملها، ويحاول تشويه صورتهم، انطلاقاً من تغطية فشلٍ سياسيّ وأمنيّ كان يحوكه زعماؤه، لدرجة أننا احتجنا لعدّة أشهر، وربّما عام كامل، لنقول شيئاً منطقياً: أن أهل الموصل ليسوا دواعش!
في تلك اللحظة، كنّا بحاجة إلى أي صوت من داخل الموصل، يتحدث، لم يكن سوى بضعة موصليين أكارم في بغداد أو أربيل أو خارج العراق يشاركوننا التدوين، لفضح العصابات الإرهابية، ومحاولة ترميم صورة الجيش العراقي، وإيقاف الاحتراب الطائفي الذي وصل إلى مطالبة بعض الرديئين بمحو الموصل أو ضربها بالكيمياوي!
في تلك اللحظة، صدر كتاب "الموصل بين احتلالين 2003 – 2014 – مذكرات مواطن عراقي"، لكاتبه ذي الاسم المستعار: ذنون بن متّي الموصلّي، وكما هو واضحٌ أن الكتاب كُتب من داخل الموصل، وبذروة سيطرة العصابات الإرهابية.
كانت داعشُ تبحثُ عن الكتّاب الذين يتواصلون مع الذين خارج الموصل، وكان هذا الكتاب وثيقة عجيبة، رغم بعض اختلالها المنهجي بسبب السرعة، والخوف الأمني، لكنه حفلَ بالمعلومة، والجدولة، والأرقام، لمواطن كانت وجهة نظره بسيطة في إيضاح السياسات الخاطئة في بغداد المتراكمة بعد 2003، وصولاً لجرائم الالعصابات الإرهابية.
حتى اللحظة، أجهلُ اسم الكاتب الفعليّ، ولم أجرّب أن أسأل صاحب دار سطور، ستار محسن علي، ليقول لي مَن كاتبه الفعلي، بل أشك أنه يعرفُ أصلاً، لكن هذا الكتاب كان سردية المجهول، الذي يلتصق بالأرض، لا بالعوالق السياسية، ولا بالمُتغيّر الذي يحطّمُ المدن والبشر.
حتى اللحظة ثمّة ضعف تدوينيّ فيما يخص أرشفة الجريمة الكبرى التي تعرضت لها نينوى عموماً والموصل خصوصاً، ثمّة إضاءات هنا وهناك لم تشكّل ظاهرة، ولم يُكتب حتى على داعش ما يكفي لفضحه وتحليله، لكن ما فعله ذنّون المسلم ابن متّي المسيحيّ الذي تجمعُ اسميه "الموصلّــي"، كانت إشارة بالغة الحميميّة، والخطورة، والرمزية، للكاتب الذي رغم كل الخطورة، قال قولته بوجه الإرهاب.
في ذكرى النصر، والانتهاء الجزئيّ من العناء، أحيّي هذا الكاتب المجهول! مُنصف مدينته، وعراقه، بين احتلالين!.