أحمد حسين
طوال السنوات الماضية اعتدنا على أن يبدأ التسويق الانتخابي والحملات الدعائية للأحزاب والكتل قبل موعد التصويت بشهرين أو ثلاثة، حيث تنشط الملاكات الحزبية ميدانياً، وتنتعش مكاتب الطباعة والإعلان وسوق القماش ومحال الأصباغ، ويبدي السياسيون ومكاتبهم الإعلامية وأفراد حماياتهم تواضعاً، لم نألفه طوال أربع سنوات في تعاملهم مع الصحفيين والإعلاميين، وتزدهر سوق الجيوش الالكترونية والمواقع الصفراء، وبكل تأكيد لا نلمس خلال هذه الفترة أي تقشف افتراضي إذ تفتح مغارات علي بابا أمام المروجين الانتخابيين من دون حساب.
لكن شهدت الانتخابات المبكرة المرتقبة تغييراً ملحوظاً في توقيت التسويق السياسي، حيث بدأت الأحزاب حملاتها الدعائية قبل موعد التصويت بسبعة أشهر، وهو ما لم تشهده جميع الانتخابات السابقة، ربما انتفاضة تشرين لعبت دوراً في ذلك، حيث من المتوقع أن تشهد الانتخابات المقبلة مشاركة واسعة من المواطنين بعد عزوف صادم عن التصويت في انتخابات 2018.
هنالك أشخاص من مختلف الفئات العمرية والمستويات الفكرية، أغلبهم من المتحزبين وقلة منهم مستقلون، يديرون الحملات الدعائية ويضعون خططاً وبرامج تسويق لتشجيع الناخبين على الإدلاء بأصواتهم لصالح هذا الطرف أو ذاك، وأغلب البرامج مكررة ولا جديد فيها وحفظناها عن ظهر قلب، لكن هناك من لديهم أفكار خلاقة وجديدة يعرضونها في سوق الدعاية الانتخابية، كونهم لا يحترفون غير هذه المهنة، ولا ضير في ذلك ولا انتقص منهم، فهؤلاء منشغلون حقاً بهموم المواطن ومشكلاته والأزمات التي تعصف بالبلاد، ويجتهدون بإخلاص وتفانٍ في إيجاد الحلول، لكن مشكلتهم أنهم لا يمتلكون وسيلة لتطبيقها على أرض الواقع إلا عن طريق عرضها على الكتل المتنافسة.
ورغم أن هؤلاء المجتهدين لا يثقون بوعود الكتل لكنهم يمنون النفس بأن يكونوا مخطئين وأن هناك من سيأخذ بمقترحاتهم ويعمل لخدمة الناس والبلاد، هم يحلمون بالتغيير والإصلاح الحقيقي، لكن ما أن تظهر نتائج الاقتراع، حتى ترمى البرامج والوعود في سلة المهملات، ويبقى الحال كما هو عليه.
الانتخابات لن تغير شيئاً من واقعنا المرير، ما لم يغير السياسيون ما بأنفسهم، لا تثريب على من عرض أفكاره للبيع أو للحصول على وظيفة في بلد لا تستحصل فيه الحقوق إلا بطرق ملتوية، انما الذنب ذنب الكتلة، التي استثمرته وتملصت من الإيفاء بوعودها، المستثمر السياسي هو المسؤول وليس المُستثمر.