يعد العراق من البلدان العريقة، في اجراء التعدادات السكانية، فعلى مدى (70) عاما (1927 - 1997) شهدت البلاد اجراء ثمانية تعدادات رسمية، خمسة منها، نفذتها وزارة الداخلية، (1927 - 1934 - 1947 - 1957 - 1965) وكانت جميعها لاهداف قيدية، تتعلق بقضايا النفوس والسجلات المدنية، اما الثلاثة الاخيرة (1977 -1987 -1997 )، فقد نفذها الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط، وكانت لأغراض وأهداف تنموية.
ولكن، وعلى الرغم من هذا التفرد وهذه العراقة، الا ان العراق لم يشهد تعدادا سكانيا، منذ (23) عاما، ومعنى هذا ان (23) مليون عراقي، ليست لديهم بيانات تنموية تفصيلية، ضمن قاعدة البيانات الوطنية، فضلا عن العراقيين الذين غادروا الدنيا، او الذين غادروا العراق، خلال العقود الثلاثة الماضية التي شهدت الكثير من الأحداث، وهنا وعندما يجري الحديث عن غياب التعداد لنحو ربع قرن من الزمان، فهذا لايعني بأي حال من الأحوال، الجهل او عدم معرفة عدد السكان، لأن القضية هنا مختلفة تماما، فوفقا لنسبة الزيادة السكانية السنوية، ومعدلات الخصوبة، يتم تحديد ذلك، باعتماد المعايير الاحصائية العالمية، ومثل هذه الارقام، ربما تتطابق مع الواقع بنسبة تكاد تصل إلى اكثر من (95 %) ، إنما الهدف من التعداد العام للسكان والمساكن، هو اوسع وأكبر واشمل من معرفة عدد السكان ذكورا وإناثا، فالهدف هو تنموي بحت، اذ يسهم التعداد السكاني في توفير قاعدة بيانات شاملة وكاملة عن واقع الحياة، وبالتالي فهو يعد بمثابة، التصوير للواقع، عبر لقطة عالية الدقة، يمكن من خلالها، الغور عميقا في هذا الواقع، ومن ثم البناء الرصين ، بناءً على حاجة هذا الواقع، ومن هنا تبرز الأهمية الاستثنائية للتعداد، والضرر التنموي الذي سيسببه عدم تنفيذه.
المشكلة ان هذه اللقطة تأخر التقاطها كثيرا، ففي كل مرة وعندما تكون العدسات جاهزة، والأيدي مستعدة لضغط زر التصوير، تظهر مشكلة او «حيّة» تلتف على العدسة، فيتأجل التنفيذ!، ففي العام 2010 كانت «الحيّة» التي عطلّت التصوير سياسية بامتياز، تمثلت بملف «المناطق المُتنازع عليها» بعد أن كانت وزارة التخطيط قاب شهر او ادنى من عملية التنفيذ، فأُجهض المشروع، وخسر البلد فرصة تنموية ثمينة، وفي عام 2020، تغيرت الأسباب، وهذه المرة، كانت « الحيّة» التي عطلّت زر التصوير «حيّة ام راسين» رأس كورونا والأزمة المالية، ليتأجل المشروع إلى عام اخر ، مع توقعات بظهور «حيّات» جديدة، قد تظهر فجأة، لتعطل العملية من جديد.