أجدني امام عنوان مخلتف هذه المرة، بعيدا عن القرطاس والقلم او خير جليس في الزمان كتاب، عنوان يليق بحال عام، اقرب لأمنية وأبعد من عنوان، هو” الحمد لله على السلامة».
جملة تختصر الكثير من الكلمات والجمل، تشعرك ان الآخر بحاجة لها وانت كذلك، تسبق السلام والمصافحة والسؤال عن الحال والاوضاع والعيال والاسرة والاصدقاء وكورونا الصامت، الذي أنسل الى بنك الارواح العالمية ليبطش بها من دون رحمة، تفتتح بها حديثك لمن غبت عنهم وغابوا عنك اشهرا عدة، بعد ان كنت تتواصل معهم عبر اتصال او تواصلا على مواقع التواصل الاجتماعي، في زمن اختصر فيه العالم، الى مليارات البيوت بعد ان كان قرية صغيرة، بيوتاتنا هذه التي كانت تحاط بكورونا كسرت طوق عزلتها في مهرجان ادبي وثقافي دولي، وفتحت الشبابيك والابواب، لتعيد رسم خارطة العالم وتضاريسه من جديد، في حدث اشبه بموسم حصاد لزرع طال انتظاره.
آلاف العنوانات العراقية والعربية والعالمية المترجمة تستقبلك، وتسحبك لساحتها، بعد ان اتقن الباعة المهرة، دور النشر، رصفها لتغريك بالوانها وعنواناتها واسماء مؤلفيها، ولكن لا تغرنك هذه الدعوة فهي ليست مجانية.
في دورة هذا العام من معرض العراق الدولي للكتاب اضافة مميزة، الا وهي جلساته وندواته الثقافية، التي تستضيف فيها مؤسسة المدى العديد من الاسماء المهمة في الساحة الثقافية العراقية والعربية، ليتحول المعرض الى كرنفال متعدد الفعاليات وغني بمعروضاته، يخرج الى فضاء اوسع من دور نشر تجاوز عددها 300 الى تظاهرة تنشد العودة الى الحياة الثقافية من اوسع ابوابها عبر الكتاب، فالعراقي وبغداد شارع المتنبي ومكتباتها لا تألف غير الحركة وقراءة كل جديد وهضمه، لأنه جزء من هويتنا الثقافية المتميزة في المنطقة، والعراق رغم كل المصائب والويلات ومشاريع التقسيم يبقى إرثا انسانيا يتخطى حدوده، وعرقا ممتدا من فجر التاريخ مازال ينبض فينا ويشدنا الى سحر اول حرف سومري خطته البشرية.
معرض الكتاب هذا العام مختلف، فما يمثله المعرض ووقته، هو أشبه بفرصة لاستعادة الحركة وتسريع النبض في جسم راقد منذ 9 اشهر بسبب كورونا، هذه الندوات والجلسات تضفي حيوية على المعرض، ناهيك عن دور النشر التي كسرت هي الاخرى طوق العزلة وأتت بغداد لتعرض منشوراتها المتنوعة، دعونا ننظر للمعرض كونه اكبر من معرض كتاب، هو كرنفال للاحتفاء بعودة الحياة تدريجيا لسابق عهدها، بعد أن تجددت فيها مشاريع الطبع والنشاطات الثقافية بمختلف توجهاتها، لنأمل ان تمتلئ ارصفة المتنبي ومكتباته بالجديد، وترجع الحياة الثقافية الى الواجهة، بدلا من حياة المكوث بالبيت ومتابعة اخبار العالم من نافذة الكمبيوتر والتلفون، دعونا نفتح شبابيك الحياة، بيوتنا من جديد على الثقافة والوانها الجميلة ونبتعد عن اخبار كورونا المؤلمة التي احزنت الكثيرين، فاللقاح ظهر والحياة تعود رويدا رويدا لسابق عهدها، دعونا نبتعد عن السياسة وغرفها المغلقة الرطبة الخافتة الضوء ونقول للجميع” الحمد لله على السلامة».