الامتثال والحوكمة والتحول الرقمي

اقتصادية 2020/12/13
...

محمد شريف أبو ميسم
 
قد تختلف الرؤية بشأن الاصلاح الاقتصادي في البلاد بين الساسة والمتخصصين والمراقبين بحسب توجهاتهم الفكرية والايديولوجية، ولكنها ربما تلتقي عند ثلاثة مفاهيم أساسية،هي:(الامتثال والحوكمة والتحول الرقمي) بوصفها مشتركات لا خلاف عليها عند تطبيق أي برنامج اصلاحي. وأول هذه المفاهيم يسحبنا في بادئ الأمر نحو القطاع المصرفي، بوصفه مفهوماً يشير الى احدى الأدوات المهمة في نظام إدارة هذا القطاع، اذ يقوم بموجبه مراقب الامتثال والجهات التابعة للبنك المركزي بمتابعة ومراقبة أداء المصرف ومدى تطابق هذا الأداء مع المعايير والقوانين والاتفاقيات التي تنظم عمل الصناعة المصرفية بما يحقق الهدف الذي وجد من أجله القطاع المصرفي.لكن هذا المفهوم يمكن أن ينسحب ايضاً على بيئة الأعمال والسوق برمتها، اذ ان مطلب امتثال كل الوحدات والتشكيلات الاقتصادية للقوانين والمعايير واللوائح، هو هدف أساسي لبناء علاقات صحيحة بين عناصر السوق وبالتالي انتظام هذه العلاقات بشكل يخدم كل أطراف السوق، بينما ينطوي مفهوم الحوكمة أو الادارة الرشيدة على عدة معايير تتمثل بالشفافية بوصفها معيارا شرطيا لكل أشكال الأداء في المشهد الكلي أو داخل المؤسسات والشركات الخاصة والعامة، وهذا المعيار مرتبط دوما بمعيار الافصاح، اذ يكمل أحدهما الآخر، وخصوصا في أداء الشركات والمؤسسات بجانب معيار تحمل المسؤولية وعدم التهرب منها، ومنح حق المساءلة للجميع واسقاط الحصانة عن كل من يقوم بأداء وظيفة عامة أو خاصة، والحد من استغلال السلطة في غير المصلحة العامة، ليكون معيارا العدالة والكفاءة تحصيلاً حاصلاً لتطبيق المعايير السابقة، الأمر الذي يدفع باتجاه زيادة الثقة بين كل التشكيلات المؤسسية وعناصر السوق، ويسهم في دفع عجلة الحياة وتنمية الاستثمارات ومراعاة مصالح الجميع، من جانب آخر فان صعود معايير الحوكمة وصلتها بالامتثال للقوانين، اسهم فيها التحول الرقمي بشكل أطاح بكل حلقات الترهل الاداري وسرّع من عمليات التبادل والتداول بشكل مذهل في الدول التي شهدت هذا
 التحول. اذ لا يعني التحول الرقمي استخدام البريد الالكتروني بدلا عن البريد الورقي، بل يعني زيادة الكفاءة في الأداء بما يقلل من احتمالات الوقوع في الخطأ ويزيد في الانتاجية، اذ يتم استغلال التقانات في الحد من مظاهر الفساد واختزال الوقت في تقديم الخدمات وتعزيز امكانيات مواكبة التطور بوصفه تحولا في نمط التعليم والبحث العلمي، اذ لا يمكن الخوض في هذا التحول بمجرد ادخال التقانات في التشكيلات المؤسسية والمنشآت العامة والخاصة، دون الارتقاء بالقاعدة التعليمية التي تؤسس للاستثمار في الطاقات البشرية.