محمد تركي النصار
يصفه العديد من النقاد بأنه شاعر سيرة ذاتية بسبب استخدامه للطابع السردي بدرجات متفاوتة، ويهتم أيضا باستخدام الأساطير الايرلندية القديمة في قصائده التي يغلب عليها طابع الترميز والنحت الدقيق للبناء الشعري مايجعل من ترجمة العديد من نصوصه الشعرية أمرا صعبا للغة العربية.
ولد شيموس هيني في مقاطعة ديري في ايرلندا الشمالية عام 1933. مارس العمل الاكاديمي حيث كتب اول مؤلفاته الشعرية.. وتعتمد شهرته الشعرية الى حد كبير على الموضوعات التي عالجها، كما تناول الكثير من المشاكل السياسية التي عصفت ببلاده، واصدر دواوين عدية منها موت عالم طبيعيات، باب نحو الظلام، الخروج شتاء، الشمال، المنطقة والدائرة، السلسلة البشرية وغيرها الكثير من الدواوين وكتب نقد الشعر والمقالات. حصل على جائزة نوبل للاداب عام 1996.
في قصيدة (السقالات) لهيني يتازر الوزن والايقاع الداخلي والمؤثرات الصوتية الاخرى بطريقة خلاقة تقدم للقارئ فهما عميقا للنص بوحدته الكلية. ولفهم افضل للبناء الصوتي لهذه القصيدة على القارئ اولا ان يحلل ويوؤل المعنى من خلال عملية التقطيع الشعري. وأهمية هذا تنعكس في التساؤل عن الاسباب التي تدفع شاعرا معينا لاستخدام هذا الوزن الشعري دون سواه وهي ميزة عرفناها أيضا في شعرنا العربي حيث توصف بعض البحور بأنها تناسب الغناء مثل بحر الرمل وبعضها مناسب للرثاء مثل بحر الوافر وكذا الحال مع الطويل والكامل الملائمين للنفس الملحمي.
الامر الذي يكشف النغمة الحقيقية والدلالة الجدية المبتكرة في هذه المقطوعة الشعرية او تلك طبقا للاستخدامات الصوتية من وزن وايقاع داخلي وما الى ذلك من مؤثرات تنعكس على المنظومة الدلالية. كما تتجلى في قصيدة (السقالات) فوائد التقطيع الشعري بشكل جلي في اضاءة المحمولات المضمونية. ويلاحظ القارئ (الظليع بشؤون الشعر الانكليزي تحديدا)بان العروض يساعد ويعززفي هذه القصيدة من قوة التراكيب بطريقة واضحة .
في سطح القصيدة يستخدم هيني الاستعارة الطويلة لانشاء رابطة دلالية بين بناء جسر بشكل متين وعلاقة انسانية مبنية بشكل قوي ورصين، ومن خلال القراءة المتمعنة يلاحظ القارئ بأن هيني يستعين بشكل ماهر بالوزن الشعري (ايمبك بينتامتر) وتقنية التقفية المنتظمة لخلق متانة وثبات في بناء القصيدة مواز لفكرة انشاء علاقة قوية الأسس.
ويصف العديد من القراء قصيدة (السقالات) بأنها قصيدة محبوبة وراقية، قطعة فنية تعبر عن مشاعر شخص بطريقة فيها بلاغة مميزة.. لكن ربما العديد من هؤلاء يجهلون أين يكمن سر قوة هذه القصيدة. الجواب عن سر قوتها وكونها عملا مميزا يعتمد على البناء الذي يلعب دورا اساسيا حيث يستخدم هيني بيتين مقفيين ومن خلال هذا الانتظام الايقاعي ينشئ الشاعر بينه وبينه القراء شعورا بالارتياح النفسي حيث تخلق التقفية ايقاعا وهذا يخلق شعورا بالامان لدى القارئ لأنه يعطيه احساسا اليفا وثابتا من الناحية الصوتية تجعله يعرف ما سوف يحصل في الابيات المقبلة وهو يصغي للقصيدة وهذا عنصر جذب مهم لكسب ثقة القارئ.. الصوت والايقاع هنا دليلا الشاعر للوصول الى استجابة أسرع:
قبل أن يبدأوا بعملهم/ يحرص البناؤون على التأكد من متانة السقالات / ويضبطون الألواح الخشبية/ لئلا تسقط.
عندما تتعرض للضغط في زحمة العمل مؤمنين السلالم ومحكمين شد الحبال،
هنا لدينا عملية توازن بين بناء القصيدة والعلاقات الانسانية التي تتضمن أيضا مألوفية وثقة وثبات.. لقد خلق هيني اساسا ثابتا لجسر مع القراء بنمط بناء معين مستخدما عبارات مثل (لاتخف أبدا) (واثقا بأننا بنينا جدارنا):
وعندما ينتهون من عملهم/ يزول كل هذا وتظهر خلفه جدران سميكة/ فيا عزيزي/ ان حدث أن تهدمت جسور بيننا/ فلا تخف أبدا.
وقد استخدم هيني نوعا من المقارنة بين مهارة البنائين وحذرهم عندما يبدأون في عمل بناء معين مستخدما الدقة التي يتوفرون عليها لبناء قصيدة تتحدث عن قوة العلاقات الانسانية واحتمال تعرضها للمطبات.
فقد ندع السقالات تسقط
متأكدين اننا بنينا خلفها جدارنا الصلب المتين.
وفي البيت الاخير من القصيدة يخرج هيني على التركيب المؤلف من عشرة مقاطع لكل بيت مستخدما هنا تسعة مقاطع فقط كاسرا الوزن مستفيدا من كلمات مثل (يسقط) معززا ذلك بالانسحاب من الوزن الشعري وبعمله هذا يخلق هيني مرة اخرى حالة يعزز فيها العروض الشعري بناء القصيدة الدلالي وهنا يختبر الشاعر قصيدته والقراء ايضا بالطريقة ذاتها التي يختبر فيها اصالة العلاقات الانسانية.. بلا خوف يكسر هيني السقالات التي خلقت وزن القصيدة، واثقا بأن القصيدة وعلاقته مع القراء ستقف قوية وواثقة كما كانت من قبل.
أن جمال قصيدة السقالات وسر قوتها الشعرية يكمن في العلاقة المحكمة بين الفكرة والتركيب والمؤثرات الصوتية.