ذو الفقار يوسف
في ليلة النهايات الاولى، تُركت وحيداً على سجادة ذلك الرصيف، ولأني غريب في ذلك البلد، جلست هناك بلا صوت بأدب المجبرين، لم اجد تراباً لألعب به بأحد الأغصان المكسورة، لأحفر به على الاسفلت النظيف اسماء أخوتي، أو اسم الله لعلّه ينقذني كما نبيه يوسف، أو على الأقل ليؤنسني كما في وطني، فهناك الأغصان كثيرة وأغلب الأرصفة تغلفها الأتربة، لم يحضرني أي شيء من الأمل، كأنَّ شهابا سماويا بخيلا قد استنزف كل أمنياتي، تلاشت خطوات المارة، كانت تسليني في الهروب من الاشتياق لغرفتي ومنزلنا القديم، لازمني هواء يناير الموحش، إنه ضليع بضربات الكف، ارتميت بأحضان الذكريات، لأخلق البديل لفكرة المنفى التي تعمدت الروح أن تكررها بداخلي، تلاعبت بالدقائق علها تسرع، استطعت أن أقضي كل ما استطيع من وقت في فرقعة اصابعي، ببطء كأنني أحاول أن أخترع آلة تتحكم بالزمن، اصطنعت النوم ولكن من دون جدوى، فقد حملق بي غير المألوف بعينيه التي لا تشبه عيون العراقيين في باصات النقل، طمست رأسي بين قدميّ محاولاً الاختفاء، أردت أن أفكر بعدم التفكير، أن أمثل البلادة، صرت أعد السيارات وأنواعهن وألوانهن، حتى أنني قد أطلقت على العشرات منهن أسماء، أكد لي ذلك الرصيف وجودي هناك، وأنه كان قد حجز لي مكاناً عنده منذ ولادتي، لقد رأيت القضبان فيه والسجان، الاختناق المتكرر رغم نقاء الهواء هناك، انتظاري في رؤيتي لوجوه مألوفة، إنه انتظار مؤقت، هذا ما رددته لنفسي كلما استسلمت للدموع، فهو يعرف جيداً بان عبثاً ما أقول، فالسماء ألوانها مختلفة هناك والأصوات أيضاً، تناسق قلقي مع تأرجح أكتافي، زاد اهتزاز قدمي كما اعتادت عند القلق، زلت ساقي من بين يدي محاولة الهروب كأنها تتوسل الرجوع، وهنا بدأت استغلال التساؤلات، فهل أمي تفتقدني؟، أتمنى رؤية بكائها الآن بسبب اشتياقها لي وخوفها عليّ، هل ما زال أبي كما عهدته في مشاعره، فهو منذ أن عرفته لم يظهرها لي لمرة واحدة، هل ستشارك ذكرياتي وأخوتي لوسائدهم أم سيتباهون فقط أمام اصدقائهم بأن لهم أخاً في المهجر؟، هل استنزف القليل من وطني عند مغادرتي له، هل يشعر بالنقص بفقداني؟، سمعت صوت أحد المارة، لم يهمني الأمر لأرفع رأسي بعد أن أثقل باليأس، دفع تحت قدمي عملة نقدية، لم أكن أظن أن الوطن رخيص لهذه الدرجة، نهضت بعد ذلك مودعاً الرصيف وقد وضعت الوطن في جيبي.