د. رسول محمد رسول
صدرت عن دار الورشة الثقافية في شارع المتنبي ببغداد المجموعة الشعرية الرابعة للروائي والقاص والشاعر "علي لفتة سعيد" والتي حملت عنوان (أختفي في الضوء)، وهي تقع بنحو 119 صفحة من القطع المتوسّط، المجموعة ضمّت قسمين، حمل القسم الأول عنوان "أحدثك عن الضوء" واحتوى على 25 نصاً شعرياً، والقسم الثاني حمل عنوان "يختفي في الحلم" واحتوى على تسعة عشر نصاً شعرياً.
عرفتُ علي لفتة سعيد روائياً منتجاً له ثماني روايات وعدد من المجموعات القصصيّة القصيرة ولكني عرفته أيضاً شاعراً، إذ قرأت ديوانه الرابع (أختفي في الضوء) الذي صدر في بغداد سنة 2019، وابتداء من عنوانه نكون عند إشكال الحضور والغياب أو الاختفاء في الضوء، ومهما يكن فعندما يكون "الشعر إلها" يضعنا سعيد عند نقطة الحرج ولنقرأ ما كتبه في هذا السياق: (الشعر أن تكون إلهاً/ لأن تخلق من الحرف آياتك الخاصة/ وتأتي بجبريلك/ وتكتب كتابك/
القصيدة).
ها هنا تكمن قراءة هذا المقطع من النهاية للخلاص من إشكال الوقوع في فخ التكفير أو اللعب السلبي بالمقدس الديني الذي يتراقص في شوارعه المتأوّلون؛ فنحن بصدد كتابة شعر، وأطلق الشاعر ملفوظ "القصيدة" وقبلها قال "تكتب كتابك" فلا شيء ديني مقدّس بالمعنى الدارج لكننا كلّما صعدنا إلى الأعلى سنجد ملافظ ذات منحى ديني مثل:"الجبروت"،ومن ثم "آياتك الخاصّة"، و"الإله"، صعودا إلى عنوان القصيدة "فتوى" وهي ذات معنى دنيوي للدين كما أنها مفتاح كل ذلك.
وهنا موضع الإشكال لكنّنا نبقى لن نتحدّث عن الدين وجملة مفرداته ولا كينونته ولا وجوده؛ فنحن بصدد كتابة أدبية شعرية معتادة يعتليها الخيال وليست كتابة دينية حتى لو بدت عبارة "الشعر أن تكون إلهاً" تريد أن تعلي من شأن الشاعر إلى مرتبة أكثر شمولية تدفع الكتابة الشعريّة إلى خلق تجربتها على نحو خاص تشبه الفعل الإلهي ولكن بمنحى دنيوي!
عند الشاعر تتداخل لحظة المدنّس بالمقدّس الديني فيقول: (وتكفرين بما كان بين يديك/ إلهكِ الذي سجد كثيراً على صدرك/ وتلا آياتك العاشقات/ حتى انتهى الفجر سجوداً).
وها هنا تظهر لغة الدين وإن كانت شعبية، مرّة أخرى، والمُخاطب هو المرأة التي تداخل الانغماس بينها والله على صدرها الذي "سجد" العاشق و"تلا" "آياتك العاشقات" حتى انتهى الوقت إلى "الفجر" "سجوداً" على النهدين، ومسألة تكفير خاصّة بالمحبوبة، وهي صورة شعريّة جميلة، فكيف للمرأة أن تكفر بما بين يديها أو بالذكورة المتوفرة التي ظلّت هاوية على نهديها عبادة وهي تتلو الحب بشتى صوره اللمسيّة واللذية، إيماناً بروعة النّهدين حتى راحت الذكورة تتلو الآيات/ العشق حتى طلوع الفجر؛ فهل للأنثى أن تكفر بكل هذه النعم الوافرة؟
تتجلى لغة الدين في مواضع كثيرة في هذا الديوان، فلا "وقت لانتظار الوضوء"، والملفوظ الأخير في هذا المتن هو ديني، وفي البيت نفسه يتهجّى تعبيراً دينيا آخر هو: "أينما تولوا وجوهكم صوب الربيع"، ويقول تالياً: "أدعوك يا رب المطر"، وهي لغة يوظفها الشاعر في كتابة شعره الحديث لكنّه يوظفها على نحو رائق أو قُل على نحو دنيوي تشهد له تجربة الديوان.
في قصيدة "عسى" يتساءل الشاعر: (أطارد غزالاً أزرق في متسع العمر/ ماذا هداني أيها الطريق؟).
هل هي حيرة للشاعر أن يتابع وجود امرأة هي للغزال في متسع عمره أو سنواته الأخيرة؟ وينظر الشاعر على أن المطاردة من قبيل العيب والخسارة. ويفوح العشق منه حتى يسامر حبيبته فيقول: (سلام عليك يوم ينوس البحر بين صدرك/ وسلام عليك حين يرقص النبض على جيدك/ وسلام وأنت تلوّحين بالأزرق/ كأن الله.. كان يؤذِّن قبل الخليفة/ أن البهيّة تلك/ كانت أنتِ).
يحفل الديوان بصور حسيّة كثيرة، بل صور جسديّة تتمثلها القصائد على نحو مركّز وهي تزيّن أنطولوجيا الديوان في كل قصائده، وأيضاً دراسة تجربة الشاعر في عمومها، من حيث الأداء والمضامين، لا سيما أن تجربته تحمل مضامين إبداعية مهمة على صعيد الشعر العراقية الحديثة.