نابوكوف: اللغة ليست مهمة بقدر أهمية فلسفة الكاتب وخياله الشعري!
ثقافة
2020/12/16
+A
-A
ترجمة: مهند الكوفي
إجتمع الشعراء والكتاب الروس تحت سقوف السِجون أو تحت أغلفة الكتب. أتحدث عن فترة أدبية- ليست زمنية كما يقال- ذكر باريس بسترناك نجتمع على طاولةِ النبيذ بين الفينة والفينة ونمارس الشعر والخمر معا.. تزامن فلايمير نابوكوف مع عمداء الأدب الروسي الحاصلين على جائزة نوبل للآداب في القرن العشرين، إيفان بونين، الكسندر سولجينتسين، باريس بسترناك وفلاديمير بوكوفسكي. رُشح أربع سنوات متتالية لجائزة نوبل للآداب ولم يحصل عليها، لأن رواية لوليتا الأكثر مبيعا في العالم آنذاك عدها الناشرون إباحية وحرِّم نشرها في بعض البلدان لأنه وصف المشاعر العاطفية الغريزية لرجلٍ بالغٍ إلى حوريَّة دور وليس البالغة من العمر 12 عاما.
كَتبَ قصته بفعل تأثير عالم الجنس الانجليزي هافلوك إليس. لذا لم يُمنحَ جائزة نوبل للآداب بسبب جُرأته في كتابة هذه الرواية الجنسيَّة.
هذه مجموعةٌ من أهم المقابلات التي أُجريتْ مع “سيد القلم” كما أَطلق عليه معاصروه، تحدث فيها عن الأدب والمعاناة والتنقل والمَهْجر.
من مقابلة آن جيرين، أكتوبر عام 1959
• دَعْني أسألك سؤالًا ليس متواضعًا، بأي لغة تُفكر؟
- وهل يُفكرون بلغة؟ يُفكرون بالأحرى في الصورة الشّعرية وليس بلغةٍ ما. برأيي هذا هو الخطأ الذي ارتكبه جويس جيمس لأن الصعوبة التي لم يستطع التغلب عليها في نهاية روايته يوليسيس في فينيغانز ويك، يحاول تكويم الكلمات بدون علامات الترقيم. لمطابقة لغته والخيال ولم يستطع وصول ذلك. لهذا، فإن الكاتب لا يفكر بهذه الطريقة لإنهاء عمله بكثرة الكلمات والعبارات الجاهزة. وبالطبع الصور الشعرية؛ الكلمة تذوب في الصورة وليس العكس! اللغة ليست مهمة بقدر أهمية فلسفة الكاتب وخياله الشعري!
• بما أنَّك تتحدث بثلاث لغات، في رأيك وأنت تمتلك ثلاث أدوات، ما الفرق بينهم وما جوهر ذلك الاختلاف؟
- في الفوارق الدقيقة، لو أخذتَ كلمة فرامبواز، في اللغة الفرنسية تعني التوت القرمزي مع التأكيد على اللون الأحمر الفاتح. إما في اللغة الانجليزية فهو التوت الفاتح مع صبغة إرجوانيَّة. بينما في اللغة الروسية فتعني لمعان اللون القرمزي وليس اللون نفسه! ترتبط الكلمة بالأشياء ذات اللمعان. هذا هو إزعاج قرع الأجراس، كيف أن يترجم كل
هذا؟
مقابلة مع مجلة “Robbe-Grillet”
أكتوبر عام 1959
• أيًّا من أعمالك ترَاهُ الأفضل؟
- هناك ثلاثة كتب وضعتهم معًا، ولكن “لوليتا” هو أفضل ما كتبتهُ. وهناك رواية بعنوان”هدية مجانية” وأخرى “دعوة للتنفيذ” كتبته باللغة الروسية في سن الثلاثين تم نشرهُ للتو في انجلترا.
من مقابلة مع اولفينو تولفيرو،
مارس عام 1963
• بما إننا تطرَّقنا إلى موضوع احترام الذات، أود أن أسأل: ما الذي تعدُّهُ بغض النظر عن النسيان، العيب الرئيس الذي تعاني
منهُ؟
- انعدام العفوية! القَلق من الأفكار الموازية! عدم القدرة على التعبير عن الذات بكل اللغات التي أعرفها! لا شيء سوى كتابة كل جملة ملعونة في الحمام، في الخيال وعلى الطاولة.
• دعني أقول لك أنك تكتب بشكل جميل.
- هذا الوهم.
من مقابلة مع الدن ويتمان،
أبريل 1969
• هل أردتَ أن تعيش بعوالم أخرى؟
- خياري لـ “مَتَى” سيتأثر باختيار “أَينَ”. في الواقع، من أجل تلبية رغباتي ومتطلباتي، كان عليَّ إنشاء فسيفساء من الزمان والمكان. من الصعب جدًا بالنسبة لي جدولة جميع عناصر هذه المجموعة الكبيرة من الفسيفساء. لكنني أعرف جيدًا ما يجب تضمينه فيه؛ يجب أن يشمل مناخًا دافئًا، حَمّامات يومية، غياب الموسيقى الإذاعية وضوضاء المرور، عسل بلاد فارس القديمة، مكتبة كاملة على الميكروفيلم وفرحة فريدة لا يمكن تفسيرها لتغلغل المزيد من أسرار القمر والكواكب. بمعنى آخر: أودُّ أن يكون رأسي في الولايات المتحدة في الستينيات، لَكِنّي لا أمانع إذا ما كانت بعض أعضائي وأطرافي موجودة في قرون وبلدان أُخر.
• عند التفكير في حياتك، ما هي اللحظات التي تعدُّها مهمة حقًا؟
- تقريبًا كلّ لحظةٍ هي رسالة وصلت أمس من قارئ في روسيا، فَراشة غريبة لم يصفها أي عالِم حشرات بعد والتي أمسكتها العام الماضي، في اللحظة التي تعلمت فيها ركوب الدراجة عام 1909.
• هل تفتقد لغتك الأم الروسية؟
- بالطبع، اللغة الروسية لغتي الأم أتحدث بها مع زوجتي وأبني دائمًا، وقد تمكنت من كتابة مجموعة شعرية عام 1960 باللغة الروسية.
نابوكوف وزوجته فيرا
من مقابلة مع جيمس موسمان 1969
• هل أصبتَ بهلوسة من قبل؟ هل سمعت أصواتًا داخلك؟ هل ظهرتْ أمامك صور بلا معنى؟ إذا ما كان الأمر كذلك، هل هي نبوءة؟
- قبل الغفوة - إذا قرأت أو كتبت لفترة طويلة من قبل - غالبًا ما أستمتع (إذا كانت هذه الكلمة مناسبة هنا) بما يختبره مدمنو المخدرات: سلسلة من الصور المبهرة المتغيرة بسلاسة. في كل مرة يكونون مختلفين، ولكن كل ليلة يكون مظهرهم ثابتًا! بمجرد أن يصبح مشهدًا عاديًا من النوافذ ذات الزجاج الملون بتركيبات وأشكال متغيرة باستمرار، في وقت آخر - وجهٌ غير إنساني أو خارق للبشر، مع عين زرقاء ضخمة متزايدة باستمرار -وهذه هي الرؤية الأكثر وضوحًا - صديقي، الذي مات منذ زمن بعيد، يبدو لي وكأنه كذلك، ويندمج مع صورة شخص آخر أتذكره، على خلفية المَخمْل الأسْوَد للجانب الداخلي من جفني. أما بالنسبة للأصوات، فقد كتبت بالفعل عن ذلك في “صوتُ الذَّاكِرة” - عن مقتطفات من المحادثات الهاتفية التي مازالت تَرِن في أُذنيّ، والتي أستلقي بها على الوسادة. يمكن العثور على وصف لهذه الظاهرة الغامضة في قصص الحالات التي جمعها الأطباء النفسيون، لكنني لم أقرأ بعد تفسيرًا واضحًا واحدًا. فرويد، لا تتدخل رجاءً!
من مقابلة مع ألين تولمي، يونيو 1969
• هل يُصدِق الكاتب القولَ في المقابلات؟
- لما لا؟ بالطبع، بالمعنى الدقيق. الشاعر أو الروائي ليس شخصية عامة، وليس أميرًا غريبًا، ولا حبيبًا دوليًا، وليس شخصًا يسميه شخص ما بحرف تائه وهو فخور جدًا به. أفهم تمامًا معاناة الذين يسعون جاهدين لدراسة كتبي، لكني أكره أولئك الذين يسعون جاهدين لدراستي كإنسان! لا يعجبني كل شيء. لديَّ عادات معتادة متواضع في الطعام، ولن أتناول أبدًا لحم الخنزير والبيض الطعام المفضل لدي. أعتقد هذه الأمور، مثل قائمة تحوي الكثير من الأخطاء المطبعيَّة. أزعج أصدقائي المقرَّبين بميل إلى سرد الأشياء التي أكرهها - النوادي الليلية، واليخوت، والسيرك، والإباحية، والمظهر الدُهنيّ للذكور العُرْاة والمغطاة بشعر مثل تشي جيفارا!
من مقابلة مع شينكر، يونيو 1971
• ماذا تفعل للاستعداد لمِحَن الحياة؟
- الاستحمام وتناول الإفطار، أحلُق ذقني كل صباح حتى أكون جاهزًا لرحلة طويلة.
• فيك خطيئة أدبية ترد عليها يوما ما، وكيف تدافع عن نفسك؟
- خطيئتي، أن هناك الكثير من الحمقى السياسيين على صفحات كتبي وبين معارفي هناك الكثير من المحتالين الفكريين. حقيقة أنه كان من الصعب الإرضاء في اختيار الشخوص.
من مقابلة مع سيمون موريني،
فبراير عام 1972
• ما هي الرحلة المثالية بالنسبة لك؟
- أي نزهة جديدة في أي مكان جديد - خاصةً عندما لم يكن قبلي أحد من دعاة الحشرات (متخصص في الفراشات). لا تزال هناك جبال غير مستكشفة في أوروبا، وحتى الآن يمكنني المشي عشرين كيلومترًا في اليوم. يمكن للمتجول العادي تجربة وخز من المتعة أثناء المشي (صباح صافٍ، القرية لا تزال نائمة، جانب واحد من الشارع تملؤهُ الشمس، عليك محاولة شراء الصحف الإنجليزية في طريق العودة، وهذا يبدو أنه منعطف، بالتأكيد طريق إلى كاتاراتا). ولكن المعدن البارد للعصا في يدي اليمنى التي أتكئ عليها تزيد من المتعة إلى حدٍّ لا يطاق.
من مقابلة أجراها روبرتو كانتيني، 1973
• أيًّا من شخوص كتبك تحبهم أكثر؟
- لوليتا وبنين ووالد الشخصية الرئيسة في “الهدية” بالترتيب الذي أدرجتهم فيه.
• كيف تصف نفسك؟
- طويل، وسيم، شاب دائمًا ورشيق جدًا، بعيون زمردية لصقر رائع.
كاتب رواية لورا
ولد لودي اسم طفولته أو سيرين الاسم المستعار. في بطرسبورغ 22 ابريل 1899. بدأت كتابته عام 1916 عندما نَشرَ مجموعة شعرية بعنوان “قصائد” ضمّت 68 نصًا. انتقدهُ مدرسهُ في الأدب فلاديمير جيبيوس محاولاته الأولى في كتابة مقاطع شعرية صغيرة ولكن لودي تجاهل تلكم النصائح.
في بداية الثَّوْرة عام 1917 أُجبرت أسرتهُ على الفرار الى شبه جزيرة القرم وهناك ظهرت شعبية الكاتب ونُشرتْ قصائده في الصُحف والمجلات الأدبية. بفعل الانقلاب البلشفي انتقل وأسرتهُ إلى برلين، ودَرسَ الأدب الإنجليزي وترجمهُ إلى اللغة الروسية.
تأثر نابوكوف كثيرًا بايفان بونين وحاول المضي على مسارهِ المتعرج، وتبيَّن ذلك في أول عمل روائي له عام 1929 وأرسلَ لمعلمهِ بونين نسخة من الكتاب و وَقَّعَ على غلافِها وكتب “لا تَحكُم عليَّ بقسوةٍ، رجاءً”لم يتأخر بونين عليه وكَتبَ ملاحظاتهُ على غلاف الكتاب وعبارة “أهٍ، كم هو سيء”. في الواقع حَكمَ بونين على الروائي المبتدئ بعبقرية أدبية
بلا رأفة.
كما كَتبَ نابوكوف في برلين روايات “الهِبَةُ” (1935-1937) ، “دَعْوةٌ إلى الإعدامِ” (1935-1936)، “اليَأْسُ”، بعد أن أصبح كاتبًا، اِبتَكرَ سيرين أسلوبه الخاص وتميزت أعماله بخط يده والَذي تبناه لاحقًا بعض المؤلفين، -على سبيل المثال- سوكولوف وبيتوف. في صيف 1977 تَوفَّي فلاديمير نابوكوف جراء عدوى حادة أصابت المجرى التنفسي، وتم حرق جثة عبقري الأدب ودفن في مقبرة كلاران وكُتبَ على قبره “فلاديمير نابوكوف كاتب رواية “لورا” روايته التي لم تكتمل ونُشرتْ بعد
وفاته.