تمازج الأسلوب الخبري والانزياحي

ثقافة 2020/12/16
...

 علوان السلمان
التعبير الأدبي والنقدي حركتا الفكر المنتج.. والنص الشعري شيفرة ينسجها منتج واعٍ ويرسلها الى مستهلك يتناغم معها ويفكك صورها بالغوص في أعماقها مستنطقا عوالمها بالكشف عما خلف الفاظها ومقاصدها، عبر حوار يستجلي مكوناتها ويكشف ستار الغموض عنها بحل رموزها.
وباستحضار المجموعة الشعرية (في لا وعي نخلة) التي نسجت عوالمها النصيّة المكتنزة معرفيا أنامل منتجتها الشاعرة وحيدة حسين/2020. وهي تعتمد معايير قصيدة النثر (الصياغة الترويضية لحالة انفعالية بين الوعي واللاوعي)، المقطعية والتكثيف الصوري والانزياح اللغوي.. فضلا عن الرمز الدال والحذف والاضمار.. مع توظيف آلية الاستعارة والمجاز وتجاوز القوالب الجاهزة بتمردها عليها مبنى ومعنى. ومحاولتها النفخ بجسد الالفاظ الموحية واعادة الحياة وتشكلاتها من خلال توظيفها أسلوب السرد الحكائي المرتقي بالنص من التعبير الذاتي الى أفق التعبير الموضوعي المتميز بعمق الرؤية.. وهي تقترب من التاريخ والواقع من أجل استيعاب الفعل الانساني في صراعاته الداخلية والخارجية.
(وانا التي جئتك من قلب نخلة/ كي التقط لك صورة في مراياي/ لكن شيخوخة يديك كانت اكبر/ من شهقات جوازي.).
فالشاعرة تمازج بين الأسلوب الخبري والانزياحي (الخيالي) لتقدم نصا قائما على الصورة التي تستدعي المستهلك (المتلقي) للسوح في الخيال الشعري الذي شارك الطبيعة وأنسن الجمادات.. مع اعتماد أسلوب المقطعية التي يربطها ببعضها خيط رفيع من الواقع وجوهرها في سياق فكري ووحدة موضوعية.. بأسلوب شعري يقوم على صياغة الافكار والمعاني مع إثارة الانفعال واستمالة المستهلك (المتلقي) صوب المضمون باعتمادها الانزياح الذي يصب اللغة في قوالب المعنى.. لتشكل صورا شعرية ترسم المعاني والدلالات برؤى متفاوتة. خالقة للصورة الشعرية التي تشكل أهم ركائز المنظومة النصية. كونها وسيلة فنية تتجسد من خلالها افكار الشاعرة وعواطفها فتكشف عن رؤاها مبنى ومعنى.
(جاء الليل والدمع مبصر/ لكن الدروب عمياء/ ولصوص الغفلة ما زالوا يتثاءبون/ في لا وعي نخلتي)/ ص93. 
الشاعرة تحاول اعادة تشكيل (الانا) الغارقة في متاهات الغربة.. مع رفض السكونية والاستكانة بارتباطها بالزمن الكاشف عن الحقب التاريخية التي ترسّخت في الذاكرة الفكرية للمنتجة. ابتداء من النص الموازي والايقونة السيميائية الدالة. التي تشكل بؤرة المعنى  بوحدتها المتجانسة الدلالات ووحدة النص الموضوعية التي تحقق الولوج لعوالمه والكشف عن دلالاته..
(هم فتية../ يضطر الفجر لان يلملمهم/ بين جلدته واظافره/ لان الشمس اذا زاورتهم/ يتوقف قلبها/ عن استبصار مطر/ وكتابة شهادتين وثالثتها.. يقينا تغمس/ بالحناء والجرح/ على جناح صبرا وصلوات). 
الشاعرة توظف تقنية التناص الفنية التي هي (صيغة صرفية تدل على المشاركة) او هو (ازدواج البؤرة) على حد تعبير صلاح فضل في بناء نصها الشعري من أجل إعلاء تشكيلته الجمالية، فضلا عن استحضار الحدث مع توظيف بعض التقنيات الفنية كالتنقيط النص الصامت والحركة الفنية التشكيلية التي تستدعي المستهلك (المتلقي) لملئ فراغاته.. وهناك أسلوب التكرار الدال على التوكيد والمتمكن من احداث هزة انفعالية لدى المتلقي،  فضلا عن اضفائه دلالات فنية ونفسية مع امكانية خلقه ايقاعا مضافا وتناغما مموسقا يستقطب المستهلك (المتلقي).. لإغناء النص، فضلا عن أنه يكشف عن مدى الاثر والتأثير الذي يتركه على وجدان المنتجة (الشاعرة) وخدمة المقاصد النصية.. فضلا عن توظيف الافعال (يضطر/ يلملم/ يتوقف/ تغمس..) الدالة على الحركة المتنامية وتسارع الايقاع كونها افعالا مكتظة بديمومة دينامية من جهة.. ومن جهة اخرى قدرتها على نقل الحالة النفسية للمنتج وانفعالاته الداخلية والخارجية مع اضفائها شحنة عاطفية وتوترا دراميا مقترنا بالسياق الشعوري، فضلا عن انها تستحضر الرموز القرآنية بعهودها خدمة لفكرة النص من جهة ومن جهة اخرى لتتحدى مرارة الواقع واغترابه، وهذا الاستحضار هو استنطاق المدلولات التي تحمل المعاني والدلالات التي تمثلها كل شخصية..
(عهد عيسى: كانت النخلة بلا أجفان/ وفي قلبها يتعبَّد يسوع) ص9. النص الشعري عند الشاعرة قائم على توظيف مستويات تناصية كالتعالق المقترن والنص القرآني من اجل تشكيل عنصر المفارقة الأسلوبية الادهاشية الناشئة من تناص صورتين (صورة المنتجة) و(الصورة القرآنية).. فضلا عن قيام أكثر النصوص على ظاهرتين أساسيتين: أولهما التأثر بالقرآن الكريم.. وثانيهما استلهام احداثه وشخوصه، وهذا يكشف عن مدى اهتمام المنتجة بالمعاني والموضوعات القرآنية فكانت ظاهرة التناص التي تروم الى تعميق عوالم النص ودلالاته تفعل فعلها في مجالين: الشخصية القرآنية والعبارة القرآنية، لتعطي بعدا دلاليا للواقع السياسي والاجتماعي.