الكتاب والرفوف المتكسّرة

آراء 2020/12/16
...

 د. نازك بدير
 
 
للعام الثاني على التوالي تفتقد أروقة بيروت وشوارعها إلى ظاهرة ثقافية تجمع دور نشْر عربية ولبنانية، لم يكن معرض بيروت الدولي للكتاب مجرّد حيّز لعرْض الكتب وبيعها، إنما كان مناسبة ينتظرها رواد الثقافة من البلاد العربية، يتّجهون إلى قبلتهم، يستعدّون إلى أيام المعرض كمن ينتظر فرحًا ما.
لعلّ ما كان يدور من نقاشات وحوارات وندوات خلال معرض بيروت للكتاب هو ما كان يميّزه، وأعطاه بصمةً خاصة، وجذب إليه الوفود، وكرّسه معرضًا عربيًا طليعيًا. واحتضنت تلك الندوات مفكّرين من العالم العربي ذوي اتّجاهات ومشارب مختلفة. حلّت لعنة كورونا على الكون بأسره، لكن تداعياتها أتت على لبنان بالجملة، لا سيّما أنه لم يتعافَ بعد من محنته الاقتصادية، ولم ينجُ ممّا حلّ به بعد تفجير مرفأ مدينة بيروت.ومن الجدير ذكْره هنا، أنّ موقع معرض الكتاب هو على الواجهة البحرية لمدينة بيروت، أي في الدائرة نفسها التي يقع فيها المرفأ.
وكأنّ اللعنة تلتصق باللبنانيين، وتحاصرهم من تخوم البحر، انتهاءً بالحدود مع فلسطين المحتلة. قدرهم أن يكونوا على خط النار. لم يحصل أن انفجر المرفأ، عصب المدينة وزادها فحسب، إنما كان قد سبقه موت العديد من الظواهر الثقافية- إن صح التعبير- من إقفال مسارح ومقاه( كافيه دو باري في شارع الحمرا مثلا حيث كانت ملتقى أهل الفن والثقافة) لطالما استقطب معرض الكتاب روادًا من فئات عمرية مختلفة، ووفّر لهم تجربة التّماس مع الكتاب، وفرصة التعرّف إلى المؤلّفين والناشرين على حدّ سواء. وفي ظل الإدمان على الألعاب الالكترونية، والانصراف إلى عالم الهواتف الذكيّة،  خسر طلّاب لبنان فرصة زيارة المعرض، ومعاينة الكتاب ، وتصفّحه من قرب، إذ تبقى العلاقة مع الكتاب الورقي مختلفة جذرياً عن الكتاب الرقمي.
ربّما اليوم، لو قيّض للقيّمين على المعرض أن يفتتحوا بعض الرفوف على «أجنحة المرفأ المتكسّرة» لما أُتيح للكثير من روّاده اللبنانيين سوى تصفّح الكتب مع الالتزام «بمسافة آمنة» من عدم الشّراء لامتناع القدرة عليها.في الختام، لا بدّ من القول، إنّ ما تركه معرض بيروت الدولي للكتاب في ذاكرة اللبنانييّن وغيرهم قد يكون من الصّعب أن نجد له بديلاً في غيره من المعارض.
  كاتبة واكاديمية لبنانية