طالب عبد العزيز
قد نعثر على من يرى في اللغة الرقمية التي اجتاحت حياتنا، في الجامعة والسوق والمؤسسات العامة سبباً في تراجع الاهتمام بدرس اللغة العربية، وقد نجد أيضاً، من يدعو إلى تقليص ساعات تدريسها على حساب اللغة الانجليزية والرياضيات والعلوم الأخرى، وهي دعوات ووجهات نظر قاصرة، وتؤكد الانتقاص من العربية، مثلما تشير إلى تخريب بنية حاضر الإنسان العربي، ونفيه عن ثقافته، وتجريده من ماضيه، والعبث بمستقبله، ذلك لأن اللغة العربية واحدة من أهم اللغات الحية في العالم، ويتحدث بها أكثر من 300 مليون إنسان، فضلاً عن كونها حافظة وجود الإنسان العربي، في الرقعة الجغرافية، الممتدة من الخليج إلى المحيط.
لكنْ، من يتابع حركة المناهج الخاصة بالعربية في مدارسنا بعد حقبة الخمسينات والستينات (القراءة الخلدونية) إلى اليوم، سيجد أنَّ واضعي المناهج لم يأخذوا بعين الاعتبار قضية مهمة جداً، ألاّ وهي كيفية تحبيب كتاب العربية للطالب، ففي فترة النظام السابق صار التأكيد على قضية الحرب، والبطولة، والوطن، والقائد شكلاً لافتاً، وبما تسبب بجعل الدرس العربي صَلْداً، عسيرَ الهضم، خاليا من روح المفردة، وقد أفرغوه من حب الطبيعة وقصص الخير والحب، فافتقدت الجملة إلى الطراوة والعذوبة، في معظم المراحل التعليمية، ورافق ذلك وجود جيل جديد من التربويين، مختلف عن الجيل الأول، أخذت السياسة من أرواحهم الكثير، فلا عناية بالخط لدى كثير منهم، بينما أخفق بعضهم في تجديد طريقته، بإيصال مادة عصية مثل النحو، عبر إغراءٍ صوتي وانشادي، كذلك، كان لاختفاء مادتي الرسم والموسيقى الأثر البالغ بما خشّبَ عقل وروح الطالب.
ولعل أبلغ ضرر لحق بها هو ما حدث بعد العام 2003 إثر تراجع التعليم بصورة عامة، ودرس العربية بشكل خاص، حتى صرنا نسمع شكاوى الطلبة من مادتي النحو والصرف، اللتين أصبحتا عقبة طلاب مرحلتي المتوسطة والثانوية، كذلك نعتقد بان انحسار الاهتمام بالمهرجانات والمسابقات الخطابية والشعرية، أو اقتصارها على المناسبات الدينية والسياسية، ذات التوجه الأحادي، الأمر الذي غيّبَ عنا العديد من المواهب الحقيقية، والتي إن وجدت، فلن تجد الحاضنة الواعية لها، بعد أن اختفى المعلّمُ، الذي يحب الشعر والموسيقى، أو صار يرى فيها ما يتقاطع مع مبادئه ومعتقده، أو تحريمها إذا تناولت أغراضاً مثل العشق وجمال الحبيبة والتغني بمفاتنها، وبذلك خسرنا ينابيع واعدة، كان مقدراً لها رفد لغتنا بالجميل والجديد في الفكر والأدب والشعر وغيره. لطالما سئلت: كيف تعلمت العربية وأنت لم تدرسها؟ فأقول: إن اللغة العربية عشق، ومن عشِقَها تعلّمها، وهي تنتعش وتعيش أجمل عصورها إذا وجدت المعلم الذي يحببّها لطلبته.