خارطة طريق لتعظيم موارد النفط وصناعته.. كيف ولماذا؟

آراء 2020/12/19
...

 جبار اللعيبي*
هناك العشرات من المجالات المتوافرة في قطاع النفط، التي سبق لي وان قمت بتعريف البعض منها في مطالعات رفعتها الى المعنيين الرئيسين في الدولة، لاسيما السيد رئيس لجنة الطاقة النيابية وصور منها الى أعضاء اللجنة الخاصة بالنفط والغاز في البرلمان مع رسائل مباشرة لرئيس الحكومة الحالية.
دافعي الرئيس أن الامر لا يكمن في وجود تلك الفرص والمجالات وإنما متيقن من امكانية التحقق وكان منطلقي الواقع العلمي وايماني بأن العمل في تحقيق اي تقدم يكمن في وجود ادارة عليا متفهمة مدركة لطبيعة التحديات، وإدارات في الخط الثاني تتمتع بالخبرة والدراية والعلم والمعرفة والخبرة والولاء للعراق واهله قبل مجمل شيء.
فمنذ سنوات طويلة خلت وأنا أسعى جاهدا في مسار الإصلاح في وزارة النفط والقطاع النفطي بصورة عامة، وقد شخصت الخلل الذي يقضي بإعادة ملحة وضرورية لإعادة هيكلة الوزارة وانبثاق شركات جديدة مرافقة وفاعلة لتشغيل وتيرة انتاج وصناعة وتصدير النفط والغاز والمصافي، مع الدعوة المخلصة لضخ دماء شابة جديدة قادرة على إنقاذ الوضع المتردي في مجمل هذا القطاع، والذي يسير في منحدر و ترد أعمق واكثر فأكثر، في عموم مرافقه وهذا يحتاج الى تفصيل واثبات لدي ما يؤكد ذلك.
 
اصلاح مؤسسي
في وقت أن اغلب الدول النفطية إن لم تكن جميعها قد أسست تشكيلات متنوعة في الصناعة النفطية وحدّثت اساليبها، بحيث ان تلك المفاصل تشكل مصدات إسناد مالية لصناعة النفط وفي نهاية المطاف، سوف لا تتعرض الى الاختناق المالي عند حدوث تذبذب في أسعار النفط، وهناك شواهد كثيرة على ذلك ابرزها المملكة العربية السعودية المحاددة والمنافسة لنا، وهذا الموضوع فيه استشهادات كثيرة أخرى ومفصلة.
لكني أثير بعض الأمثلة التي يمكن ان تشهد على واقع الصناعة في بعض الدول، فمثلاً:
إن أرباح شركة أرامكو في العام الماضي تعدت 50 مليار دولار وادنوك الاماراتية تعدت 20 مليار دولار وهذه أرباح الشركات، خارج ايرادات الحكومة، اي انها أرباح خاصة بعمل تلك الشركات النفطية.
و سبق لي وفي مناسبات عدة ان ناديت وطالبت وعرضت بقوة مسعاي الدؤوب لمعالجة بعض من المفاصل المهمة في صناعة النفط، وعلى الرغم من قصر فترة وجودي في الوزارة ( سنتين ) الا أني وضعت اكثر الأولويات على وضع قطاع النفط على الطريق والمسلك الصحيح، وحققت مشاوير طويلة في تحقيق مكاسب للبلد والوزارة، وللأسف أن الإدارة بعدي عملت في الاتجاه المعاكس وكأني استحضر قول الشاعر:
( متى يبلغ البنيان يوما تمامه
 اذا كنت تبنيه وغيرك يهدم)
دعوني أعيد للذاكرة البعض من تلك الأولويات التي نبهت اليها وهي حالات هدر ناديت لوقفها وتغيرها:
1 - استيراد مشتقات نفط 3 الى 4 مليارات دولار سنويا.
2 - حرق واستيراد غاز 6 - 7 مليارات دولار سنويا.
3 - نقل نفط خام ٢ مليار دولار سنوياً.
4 - مفاصل وأبواب أخرى 2 مليار دولار سنويا.
فيكون مجموع هذا الهدر الممكن تخطيه لما يصل الى: (15 مليار دولار سنويا)
وبالإمكان ان تحسب المتراكم لإعلاه منذ 2003 - 2020 ، وسبق وان أعددت ورقة عمل مفصلة ومستفيضة لإصلاح القطاع وأرسلتها الى السيد رئيس الوزراء الكاظمي خلال فترة تشكيل الحكومة،( ولديّ نص التقرير المفصل الذي أرسلته اليه).
اتساءل: أي نوع من الإصلاح وتعظيم الموارد النفطية ونحن نسعى للتكلم عنه ونخوض في غماره في ظل واقع مخرّب وأشخاص غير مهتمين بأهم مورد لقوت الشعب، فهل من المعقول والمنطق السليم من الجانب الوطني وحتى الشرعي أن تخضع أهم وزارة لما تتعرض له وزارة النفط خلال وقت تشكيل الحكومه باختيار وزير لها من خلال قرعة؟ وكانما نحن في سوق مزاد وليس في بلد بحجم وثقل وتأريخ العراق، يحتاج الى قيادات مدركة لها رؤية وخبرة دقيقة.
حيث تخضع هذه الوزارة وغيرها للمزايدة في سوق المحاصصة وليس الكفاءة، بدليل ان مجرد انخفاض اسعار النفط تحول العراق لساحة من الدماء والعنف والرعب المحتمل وقوعه، في وقت لدينا الوقت الضيق للإنقاذ الشامل الذي يوصل البلاد لمجتمع الرفاهية الممكنة، اني مع شديد الاسف لم أتمكن حتى الان من رؤية متكاملة لإنقاذ هذا القطاع الحيوي، بالرغم من إمكانية ذلك وهي ممكنة كما أسلفت وأعددت دراسات مستفيضة بحكم عملي في هذا القطاع على مدى اكثر من أربعين عاماً، وأقدم رؤية عاجلة للمساهمة في تعظيم الموارد المالية، من دون الاضطرار الى بيع النفط بطريقة ( الحجز مقدما) المراد اعتماده وترويجه بسبب الضيق المالي:
 
تعظيم الصادرات
المجال الاول: تعظيم تصدير المنتجات النفطية
ومنها:
*  النفط الأسود:  فبالامكان تحقيق معدلات تصديرية عالية لهذا المنتوج من المصافي وزيادة معدلات إنتاجه وتصديره.
• إشراك القطاع الخاص (محلية واجنبية) في تفعيل هذا المجال الذي يجلب إيرادات عالية.
• استبدال قدر المستطاع استخدام هذا النوع في محطات الكهرباء وتعويضها بالنفط الخام .
•  تقليص كميات معامل الأكسدة:
السعي لتحويل معامل الطابوق وغيرها الى الغاز كوقود وحسب الخطة التي وضعت العام 2017 بدلاً من النفط الأسود للاستفادة منه في التصدير وتوفير العملة الصعبة .
* زيادة الطاقة التصديرية لحقل القيثارة واعتبارة نفطا اسود:
زيادة معدلات تصدير مادة النفثا المهمة في الصناعة النفطية وإشراك القطاع الخاص المحلي والأجنبي في عمليات تصدير تلك المادة .
علما" ان معدلات وكميات التصدير لهذه المنتجات، لا تخضع الى محددات واتفاقات خصص اوبك.
المجال الثاني:
* تقليص استيراد العراق للمنتجات النفطية
فمن غير المنطقي والاقتصادي في بلد منتج عالمي للنفط يقوم او يلجأ للاستيراد، ويتحقق ذلك من خلال :
زيادة مساهمة القطاع الخاص وإشراكه بضوابط علمية محدد في الانتاج البنزين المحسن مع وضع أسس ومعايير لضمان أرباح وزارة النفط، ووزارة المالية.
* تقليص الاعتماد على زيت الغاز المستورد في محطات الكهرباء واستخدام النفط الخام بدلاً منه، وهذا ممكن عملياً.
* تنفيذ خطة عاجلة وسريعة في استثمار الغاز من خلال خطة تأجير محطات ومنشآت المعالجة، كما تم في حقل الناصرية العام 2017 .
تبني خطة عمل معجلّة في زيادة وتطوير المنتجات النفطية في المصافي العاملة مثل مشتقات الدهون وغيرها التي تستنزف اموالا" كبيرة بحكم الاستخدام اليومي وحاجة الاستهلاك.
 
الدفع المسبق
ملاحظات حول بيع النفط بطريقة الحجز المسبق:
تلقفت الإدارات الحكومية والنفطية فكرة بيع النفط باسلوب الحجز المسبق،أي يقوم المشترون بدفع اقيام مالية مقدما" على كميات من النفط الخام يتفق عليها وبموجب السعر السائد وقت توقيع عقد البيع، كطريقة لمعالجة الضيق المالي الحالي، الناتج من تدني أسعار النفط وتقليل حصص تصديره،،وعلى الرغم بأن هذه الطريقة لجأت اليها بعض الدول التي توصف بالمتأزمة مثل نيجيريا وفنزويلا، والزعامات التي تسعى الى تأمين الضرورات المالية، لكنها لاقت الكثير من الإشكالات، فهاتان الدولتان ذات الخصوصية الاستثنائية باستشراء الفساد وسوء الادارة والصراع المجتمعي وتدني القدرات الاقتصادية، لجأتا الى بيع كميات كبيرة من نفطهما وقبضت أقيامه مقدماً، لكنها عانت بعد فترة وبعد تغاير أسعار النفط وارتفاعه مما تسببت في حدوث خسائر مادية عالية جدا، علما أن هذه الطريقة محدودة جدا، في التداول ولن تلجأ اليها إلا الدول الغارقة في المشكلات المالية وسوء الادارة.
 
وسبق أن تم طرحها كخيار لدينا العام 2017 لكن تم رفضها بشدة وذلك لإدراك أسباب عدة تحول دون المغامرة وما يترتب عليها من سلبيات، ومن وجهة نظري كمختص وخبير في هذا القطاع على مدى أربعين سنة في هذا القطاع، فان العراق غير مضطر برغم وضعه المالي اللجوء لمثل هذه الطرق والمغامرة في تسويق نفطه، لاسيما أن أسعار النفط وفق مؤشرات واضحة تشهد تعافياً ملحوظاً خلال العام 2021 وترجح التوقعات بان الاسعار ستصل الى 60 دولارا للبرميل، بضوء الواقع المتحرك للأنشطة الاقتصادية وارتفاع معدلات الاستهلاك في العالم، مما يتطلب المراجعة في بيع النفط بهذه الطريقة.
وفي إطار ذلك لا بد من إعادة النظر بمجمل وتيرة الصناعة النفطية المتراجعة في العراق بعقد شراكات دولية مع التجارب الناجحة والمدروسة وتغير نمط الإدارة النفطية وتكثيف الجهود في الاعتماد على خبرات عراقية شابة وتدريبها وتفعيل حضورها في هذا القطاع الحيوي، لا يتحمل واقعنا الاقتصادي الذي مازال معتمدا بنسبة عالية على التراجع الاكثر في قطاع النفط، وان السبيل الوحيد الخروج بستراتيجيات كفوءة تحرك صناعة النفط وتنمي الموارد والعوائد التي تأتي منها، مع شراكة دولية مفروغ من نتائجها، وليس التجريب في قطاع هو عماد اقتصاد البلد ومصدر قوت الشعب.
 
 *نائب عن البصرة
 وزير النفط السابق