رعد أطياف
المشكلة في بعض رجال الدين، وأعني به طالب العلوم الدينية، حينما يترك الدين، لا يتخلّص من ردود أفعاله العدائية، ويتصرف كما لو أنه شاب مراهق، قبل أن يتشبّع بقيم الحداثة والتنوير يُجري تصفية حساب عنيفة على تاريخه الشخصي وعلى مؤسسته الدينية بطريقة انفعالية غريبة، ويبقى متأرجحا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ فلا هو أجرى مسحًا نقديًا عقلانيًا للتراث الديني، ولا هو استطاع أن يتزود من المنهج العقلاني بشكل منهجي، إن رجل الدين الذي يشتغل على النقد من داخل المؤسسة الدينية هو أنفع بكثير من رجل دين خرج من المؤسسة الدينية ولا يحمل معه سوى لغة التهجم؛ فالأول أكثر اقناعاً في حين لا يشكّل الثاني أهمية تُذكر سوى منفعته الشخصية من جهة، ويعمّق روح العداء ويسهم في تحشيد التبريرات القائمة على نكران الخطاب النقدي من جهة أخرى.
ولكي يحظى بمقبولية لدى متابعيه لا بد أن يتوفر على انموذج مقنع، وأعني به المنهج النقدي العقلاني الرصين، لكن قد يقال: ليس كل شخص يتمتع بهذه القدرة، وهذا صحيح، لكن ليس صحيحاً أن يستهلك وقته بالتهجم والعدائية لكسب المزيد من الجمهور الشعبوي!.
فآخر ما نتمنّاه استبدال جمهور شعبوي بآخر لا يختلف عنه سوى بالأشكال التعبيرية، فالمضمون واحد في التحليل الأخير.
حرية الفكر هي أنبل فضيلة يمكن أن يحوزها الإنسان، ومن المحزن أن تحترق هذه الحرية في مزبلة التهجّم والمناكدة بحجة" النقد" فهذا الأخير التزام بالحرية بأوسع أبوابها وهي حرية التفكير، فبخلافها يغدو كل شيء فاقداً للمعنى، في كلتا الحالتين سوف لا يسلم الناقد من التسقيط والتجريح على أي حال، لكنّه ليس مبرراً كافياً لاختيار الخطاب العدائي، فهو بهذا يعطي أكثر من مبرر بأنه لا يقل تعصباً من غيره إلا من حيث الدرجة، وسيلتف حوله المزيد من المتعصبين الجدد، من هذه الناحية ستبقى بنية التفكير واحدة وإن اختلفت أشكال الخطاب؛ فسواء كنّا من هذا الفريق أو ذاك لن تختلف بنية التعصب واللاتسامح وعدم الاعتراف، وسنبقى في دائرة مغلقة من الانسداد، نتلاعب بالكلمات فحسب، أمّا التعريف فسيبقى يحمل الحدود والرسوم نفسها، وبالطبع لكل قاعدة استثناء.