هل مصالح الولايات المتحدة الامريكية في الشرق الأوسط ثابتة ومستمرة؟
آراء
2020/12/20
+A
-A
د. خالد هاشم محمد*
ظلت منطقة الشرق الأوسط تعد من أهم المناطق الستراتيجية في العالم بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية حتى وقت قريب، نظراً لموقعها الستراتيجي ولما تتميز به من ثروات طبيعية، أهمها النفط والغاز الطبيعي، اللذان يعدان من أساسيات حياة البشرية على كوكب الأرض في العصر الحديث، إضافة إلى الممرات البحرية الأساسية، التي تصل بين الشرق والغرب، من هنا جاء الاهتمام الاميركي بهذه المنطقة الحيوية من العالم.
وقد تمحورت الستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط لوقت قريب حول مجموعة من الأهداف لعل من أهمها، تدفق النفط من هذه المنطقة بأسعار مناسبة ومحاولة الحفاظ على استقرار الأنظمة الصديقة فيها وأخيراً اَمن إسرائيل.
وفي الحقيقة ومنذ تولى باراك اوباما سدة الرئاسة في كانون الثاني من عام 2009، بدأ الاهتمام الاميركي بمنطقة الشرق الاوسط في التراجع والانحسار، وتبدلت الاولويات والاهداف، فقد ترك الرئيس بوش لخلفه الرئيس أوباما أوضاعا دولية متردية، خلفتها سياساته تجاه القضايا الدولية المختلفة وفي مقدمتها الحرب على كل من العراق وأفغانستان والحرب على الإرهاب، وبدأت تظهر ملامح مرحلة جديدة شعارها "التغيير" وقد تعززت تلك الرؤية بالانسحاب من الشرق الاوسط اكثر وظهرت بصورة جلية في الفترة الثانية من حكم باراك اوباما.
تراجع اهمية الشرق الأوسط
• اسباب تراجع أهمية الشرق الاوسط لدى الولايات المتحدة الاميركية.
هناك عوامل مرتبطة بالوضع في اقليم الشرق الاوسط، خاصة بعد ثورات "الربيع العربي"، أو تلك المتعلقة بتوجهات الولايات المتحدة الاميركية، والتي ادت الى تغير في نهج السياسة الخارجية الاميركية، والتحول من "الانخراط المكثف" الى "الانخراط المرن"، واضحا التدخل الاميركي في الشرق الاوسط يتسم بالحذر والتراجع، وهذه العوامل كالاتي:
1 - انخفاض احتياج الولايات المتحدة لنفط الشرق الاوسط، سواء بسبب قيامها بتنويع مصادر استيراد النفط، والاعتماد بشكل اكبر على مصادر من خارج منطقة الخليج العربي، مثل كندا والمكسيك ونيجيريا، او ما يتعلق بالاكتشافات الضخمة لما يسمى "النفط الصخري" في الولايات المتحدة، والبدء في استخراجه وانتاجه بمعايير اقتصادية، وهو ما ادى الى وصول الولايات المتحدة الى حالة الاكتفاء الذاتي من الطاقة، ووفق تقديرات تشير الى انه ستصبح الولايات المتحدة دولة مصدرة للنفط خلال الفترة من 2025 الى 2030، وبالتالي عدم الحاجة للواردات النفطية من الخارج، وخاصة من الشرق الاوسط.
هذا التطور أصبح يشكل أحد المدخلات الاساسية في التفكير الستراتيجي الاميركي تجاه منطقة الشرق الاوسط، والتي ارتبط وجودها التاريخي بها بتأمين مصادر البترول للأسواق الاميركية، ومن ثم فإن انخفاض حاجة الولايات المتحدة لبترول المنطقة أصبح يؤثر بالتاكيد في درجة اهتمامها وارتباطها بها.
2 - انخفاض ارتباط الولايات المتحدة بالشرق الاوسط كان ايضا انعكاسا لتوجهات الرأي العام الاميركي، الذي لم يعد متحمسا للتدخل الاميركي في المنطقة، أو النشاط الزائد بها، نتيجة للثمن الاقتصادي والبشري الذي دفعته الولايات المتحدة في غزوها واحتلالها للعراق، وقد اتضح ذلك بشكل جلي في محدودية الدور والتأثير الاميركيين في مرحلة ما بعد الربيع العربي، ورفض قطاع واسع من الرأي العام في البلدان العربية والقوى السياسية المتباينة لأي دور للولايات المتحدة، ووصفها بعدم المصداقية والتشكك في نياتها.
أي هناك ادراك اميركي لمحدودية الدور الذي يمكن ان تلعبه في المنطقة، وعدم الترحيب به، وبالتالي وصلت بعض دوائر الحكم الاميركية كوزارة الخارجية لقناعات واقعية، مفادها بأنه لا داعي للقيام بمثل هذا الدور.
3 - تقليص الانفاق العسكري. ففي ظل ارتفاع مستوى عجز الموازنة والضغوط التي واجهتها الادرات السابقة المختلفة، وتقليص ميزانية وزارة الدفاع، بات من الصعب التورط في حروب جديدة في منطقة الشرق الاوسط والاستمرار في حالة الاستنزاف الاميركي، اضافة الى زيادة معدلات عدم الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط، ادت الى اعادة صياغة الاهداف الستراتيجية للمصالح الاميركية، فبدلا من الاهداف التقليدية المرتبطة بالحفاظ على تدفق النفط ، وامن اسرائيل، ومنع الانتشارالنووي، ومواجهة النفوذ الروسي وريثة الاتحاد السوفيتي، أصبح التركيز أكثر على كيفية تحقيق الاستقرار، ومواجهة صعود الحركات الارهابية.
وقد ظهرت ملامح اعادة صياغة التعامل مع اقليم الشرق الاوسط والتحرك نحو تبني ستراتيجية اعادة الهيكلة مما يخدم المصالح الاميركية الجديدة في اكثر من ملمح، بداية من استمرارية التمسك بخيار عدم التورط عسكريا في المنطقة، والتركيز على التعامل مع أزمات الاقليم بانتقائية وعدم تبني ستراتيجية شاملة، والاهتمام باضطلاع دول المنطقة بدور مركزي في التعامل مع قضايا وازمات المنطقة مباشرة وعدم التعويل على الدور الاميركي، وصولا لتغيير البيئة الستراتيجية للاقليم، كما هو الحال في تحويل نمط العلاقة على سبيل المثال مع ايران من حالة العداء الى حالة التعاون، ثم الانتقال لمستوى مختلف يتضمن علاقات طبيعية على المدى البعيد.
4 - كذلك لا يمكن فصل التوجه نحو آسيا والتخوف الاميركي من تصاعد النفوذ الصيني بتلك القارة الاسيوية، ومن أن يؤدي ذلك للحد من نفوذها في القارة، أو استبعادها من التفاعلات التي تقودها الصين لاعادة ترتيب اسيا، وهو ما يتطلب اعادة توزيع درجة الاهتمام والامكانات الستراتيجية الاميركية بعيدا عن الشرق الاوسط وقريبا من آسيا.
ستراتيجية جديدة
من خلال المؤشرات التي ذكرناها بدأت الولايات المتحدة باعتماد ستراتيجية مختلفة في الشرق الأوسط، مغايرة لتلك التي كانت متبعة في السابق، والتي كانت منغمسة من خلالها في المنطقة بكثافة عبر حروبها أو احتلالها للعديد من الدول مثل العراق وأفغانستان. وقد بدأت في عهد أوباما كما أوضحنا سلفا واستمرت وعلى الخطى نفسها، لكن بوتيرة أسرع وبنطاق أوسع، في عهد الرئيس ترامب الذي أطلق شعار "أميركا أولاً" خلال حملته الانتخابية.
وبنى ترامب فلسفته، كالتالي، "على تلك الدول(دول الشرق الاوسط) أن تتحمل أعباء تلك الحروب بنفسها وعليها أن تؤدي دورًا قياديًا في تحقيق الأمن لنفسها ولمناطقها وإذا أرادت تلك الدول الحماية الأميركية، فعليها أن تدفع مقابل ذلك". وضمن هذا السياق، فقد انسحب ترامب من الاتفاق النووي مع ايران الذي (وقته ادارة اوباما) والذي يرى لا طائل اقتصاديا منه، وأعلن انسحاب قواته من شمال سوريا، وأنه لم يعد بحاجة للتواجد في منطقة الخليج وأن لديه ما يكفيه من النفط والغاز.
وعلى الرغم من الاختلاف الواضح في التعاطي مع ملف الشرق الاوسط، لكل من المرشحين دونالد ترامب وجو بايدن في الحملة الانتخابية التي جرت مؤخرا، فإن الرئيس الجديد للولايات المتحدة جو بايدن، لن يكون محور اهتمامه الرئيسي الشرق الأوسط. بل على عكس ذلك تماما، من المتوقع أن يركز على إدارة الأزمة التي خلفتها جائحة (كوفيد- 19) على الصعيد الداخلي. أما في ما يخص السياسة الخارجية، سيحتل الشرق الأوسط مرتبة متراجعة في
الترتيب.
وبالتالي، سيشهد الشرق الاوسط مزيدا من التراجع، ولكن هذا التوجه لم ولن يعني انسحاب الولايات المتحدة بالكامل من الشرق الاوسط، فالولايات المتحدة ستحافظ على قدر من الاهتمام بهذه المنطقة لعدة أسباب كما اسلفنا، أولها يتعلق بكون الولايات المتحدة قوة كبرى في العالم وستظل مهتمة بأن تلعب دورا ما في الشرق الاوسط، السبب الثاني يتعلق بإسرائيل، وتعهدها بالحفاظ على وجود وأمن الدولة العبرية، وهو أحد ثوابت السياسة الاميركية، والسبب الثالث يتعلق بسعر النفط وتأثيره في الاقتصاد العالمي، فما زالت منطقة الخليج تلعب دورا مهما في تحديد سعر النفط كسلعة عالمية تخضع لمتطلبات العرض والطلب.
ولكن المؤكد أن أهمية المنطقة للولايات المتحدة في تراجع مستمر، ومن ثم فإن رغبتها في التورط في شؤونها أو لعب دور قيادي بشأن قضاياها هي أيضا في تراجع مستمر.
الخلاصة: اذاً، إن مقولة إن الولايات المتحدة تدير سياستها في الشرق الأوسط، وفقاً لمصالح دائمة وثابتة لا تتغير، هي فكرة تحتاج للمراجعة لأن المصالح تتغير بتغير الزمن، فالمصالح تتغير وتقل أو تزيد أهميتها بالنسبة لمنطقة ما أو دولة معينة بتغير الزمن.
*مستشار المركز العراقي للدراسات الستراتيجية