الفسادُ القانوني

آراء 2020/12/20
...

 د.حسن الياسري

 أعني بهذا المصطلح الفساد الناجم من القانون. وقبل الولوج في تفاصيلهِ أجد من الضروري طرح السؤال الآتي:  هل يمكن أنْ يكون القانون سبباً للفساد؟
 والجواب بكل ثقةٍ: نعم، يمكن أن يكون القانون سبباً للفساد. فبعض التشريعات تمهد الأرضية للفساد، إذ يمكن أن يكون القانون سبباً للفساد من الناحية التشريعية، كما يمكن أن يكون سبباً للفساد من الناحية التفسيرية، ما يعني أن ما يمكن أن أطلق عليه ( الفساد القانوني ) ينشأ تشريعياً أو تفسيرياً.
وفي الحقيقة ثمة أسبابٌ تتسبَّب في نشوء ما يمكن أنْ أُسميه ( الفساد القانوني )، سأذكر أهمها، مِن التي أجدها تهيئ الأرضية لهذا الفساد ، وهي:
1 - سنُّ بعض التشريعات التي يمكن أن يتسلَّل الفساد عبرها. وفي إطلالةٍ على التشريعات التي سنَّها البرلمان في دوراتهِ المختلفة، ستجدون بعضاً من هذه التشريعات، التي ضمَّت بين طياتها شيئاً من الفساد، مخفياً كان أو معلناً. 
2 - عدم سنِّ بعض التشريعات الكفيلة بالحدِّ من الفساد، مثل قانون مكافحة 
الفساد.
3 - سوء صياغة القوانين والثغرات فيها:
إنَّ تسرع البرلمان في سنِّ القوانين وسوء وصياغتها يفضي إلى وجود بعض الثغرات القانونية فيها، تُمكِّن الفاسدين من النفوذ عبرها لتحقيق مآربهم الدنيئة، فضلاً عن وجود مثل هذه الثغرات في بعض القوانين المحكمة. والأمثلة في هذا الباب كثيرةٌ، منها ما سبق أن نبهنا عليه في موضوع السلف التشغيلية، وكذلك تعليمات تنفيذ العقود الحكومية.
4 - غموض بعض النصوص القانونية، وتعارض بعضها مع البعض الآخر، وتباين تفسيرها بين جهاتٍ متعددةٍ:
 إذْ تعطي هذه الأمور الفرصة للإدارة وموظفيها لتفسيرها على وفق مشيئتهم، الأمر الذي قد يدفعهم لتفسيرها بما ينسجم مع مصلحتهم الخاصة، وبما تجرُّه عليهم من عوائد ماليةٍ غير مشروعةٍ ، فضلاً عن التأخير والتعقيد الذي سيواجههُ المواطنون في إنجاز معاملاتهم .
5- الممارسة الفاسدة للقانون:
 إنَّ أخطر مظهرٍ وسببٍ قانونيٍّ للفساد يتمثل بالممارسة الفاسدة للقانون، إذْ يقوم أحياناً بعض أرباب السلطة بممارسة الفساد عبر تشريعاتٍ يسنُّها البرلمان، كما حدث مثلاً في قانون إلغاء مكاتب المفتشين العموميين، أو قانون الرواتب المخالف للعدالة الاجتماعية بين الموظفين، أو بعض القوانين ذات الصبغة الفنية التخصصية، التي تصدر من دون أخذ رأي الجهة الفنية القطاعية، كما يحدث في بعض القوانين المتعلقة بالتربية والتعليم، التي لا يؤخذ فيها برأي وزارتي التربية والتعليم، بل إنَّ بعض هذه القوانين كانت مرفوضةً من قبل هاتين الوزارتين؛ لكونها تتعارض مع سياق عملهما وإجراءاتهما، وهو ما يحقِّق ما يمكن تسميته (مأسسة الفساد).
6 - ضعف بعض النصوص العقابية المناهضة للفساد، وعدم فاعلية بعضها الآخر:
 فلقد أصبحت تلك النصوص بمرور الوقت وتطور الجريمة غير فاعلةٍ وغير رادعةٍ، فضلاً عن كون بعضها لا تغطي جميع الجرائم. وتجربتنا في هذا الميدان أثبتت عدم تعاون الجهات الأخرى المعنية بصدد مقترحاتنا التي قدَّمناها لتعديل تلك النصوص، ما أسهم بالمحصِّلة في اتساع رقعة الفساد.
7 - منح الإدارة الحق في التعاقدات الحكومية:
 إنَّ منح الإدارة الحق في التعاقدات الحكومية أسهم في زيادة نسبة الفساد، الأمر الذي سبق أنْ عالجناه في رؤية مكافحة الفساد التي طرحناها في عام 2016 ، فلقد طالبنا فيها بإيجاد لجنةٍ مركزيةٍ للتعاقدات الحكومية على مستوى الدولة، وحتى لا يتسرَّبَ الفسادُ إلى عمل هذه اللجنة فقد وضعنا بعض الشروط والقيود المطلوبة في أعضائها، منها أن يكونوا مستقلين تماماً وغير منتمين لأية جهةٍ سياسيةٍ ، وأن يكونوا من خيرة خبراء العراق في مجال اختصاصهم، ومن الذين لا يختلف اثنان في خبرتهم ونزاهتهم.
8 - ضعف أداء السلطة القضائية في بعض دول العالم:
 إنَّ ضعف أداء السلطة القضائية في بعض دول العالم، لاسيما العالم الثالث، واعتمادها بعض الأساليب القديمة التي لم تعد مجديةً مع تطور الفساد واستشرائهِ، وطول إجراءات التحقيق والمحاكمة في قضايا الفساد؛ أسهم كله في نمو الفساد وعدم الحدِّ منه، هذا فضلاً عن أنَّ التأخير في إجراءات المحاكمة جعل الجمهور والرأي العام يفقد الثقة بالقضاء والأجهزة الرقابية، متهماً إياها بالكذب، ونحو ذلك.
9 - ضعف الرقابة الداخلية:
إنَّ ضعف الرقابة الداخلية وخضوعها في الغالب لإدارة المتنفذين في الوزارة أو المؤسسة، لعدم وجود حمايةٍ لها، قد أسهم في تفشي الفساد في داخل الوزارة أو المؤسسة، ولا أظنُّ أحداً مراقباً ومتابعاً لم يُشخِّص هذا الضعف والخلل.
10 - ضعف أداء الدوائر القانونية في وزارات الدولة ومؤسساتها:
 لقد أفضى هذا الضعف - الواضح للعيان- إلى إبداء المشورة القانونية الخاطئة من قبل هذه الدوائر في بعض القضايا المهمة، ما تسبَّب في وقوع الوزارة أو المؤسسة في المخالفات القانونية المتراكمة، والتي يدخل بعضها في جرائم الفساد، ولسنا هنا في مقام الإعمام والإطلاق، بل في مقام الإشارة إلى ظاهرةٍ موجودةٍ، ليس بوسع أحدٍ إنكارها.
11 - سقوط هيبة القانون:
 إنَّ كل الأسباب المتقدِّمة تفضي بالمحصلة إلى فقدان هيبة القانون في أوساط المجتمع، فينشأ سببٌ أو عاملٌ جديدٌ للفساد وخطيرٌ، وهو(سقوط هيبة القانون)، إذ إنَّ هذا السقوط يولِّد في المجتمع شعوراً لدى أفرادهِ بالتجاوز على القانون وعدم احترامه، الأمر الذي يوسِّع من رقعة الفساد ويضيِّق الخناق على العاملين في أجهزة مكافحة الفساد، الذين يبقون يخوضون غمار الحرب وحدهم، وهم مكشوفون لا حماية لهم.