العراق في سياسة الرئيس المنتخب جو بايدن

آراء 2020/12/21
...

 د. قيس العزاوي

 لن نتحدث عن جو بايدن نائب الرئيس الاميركي اوباما ولا عن رؤيته لحل مشكلات العراق الداخلية والخارجية، وبالقطع لن نتحدث عن مقترحه تقسيم البلاد الى دويلات ثلاث، تلك مرحلة مضت وانقضت من ناحية وبايدن الرئيس اليوم يتنكر لها ويقول بأنه فهم بشكل خاطئ من ناحية ثانية، نتحدث عن بايدن الرئيس الذي من المنتظر ان يتخذ خطوات مدروسة بشكل افضل لتهدئة الاوضاع في منطقة تشتعل.

لا ريب ان الولايات المتحدة كما يردد زملاؤنا الباحثون دولة مؤسسات، ومواقف هذه المؤسسات لا تتغير بتغير الرئيس، وهنا نختلف معهم، فالرئيس قادر ويمنحه النظام الدستوري أحقية رسم السياسات الخارجية والدفاعية.
وانطلاقاً من ذلك يجري في بعض الاحيان تحييد هذه المؤسسات، اذ لم نقل قمعها واسكاتها على غرار ما فعل الرئيس ترامب.
إنّ معرفة هذه الحقيقة تجعل المخططين لشؤون الشرق الاوسط الاميركيين والاوروبيين، يرون أنهم ينتظرون تحولات من المؤمل ان يشرع بها الرئيس المنتخب بايدن للسياسة الاميركية في هذه المنطقة، وقد سبق له ان اعلن بعضها وبعضها الاخر سيتبين من خلال اعادة طرح ستراتيجية اميركية جديدة تأخذ في اعتبارها المصالح الاميركية والاوروبية، وتعمل على استيعاب دول المنطقة، التي ذهبت صوب اليمين  واليسار واستحوذت الطموحات الروسية والصينية والايرانية على حصة متنامية منها.
لا ريب ان العراق يشكل موقعاً جيواسترتيجي ومخزون للطاقة والمواد الخام على قدر كبر من الاهمية، وان هناك تنافسا كبيرا من القوى الدولية على الاستثمار بكل انواعه فيه، بعد ان فشلت تماما ستراتيجية الفوضى الخلاقة وتركت اثاراً مدمرة للعراق وللعراقيين ولدول المنطقة وقد آن الأوان ولشبكة المصالح الدولية أن تتغير.
لذلك نرى إن الاشارات المنبعثة من مراكز البحث والدراسات الأميركية والاوروبية ترسل من الآن عدد من الرسائل ذات الدلالة نذكر منها:
أولاً: وان كان العراق ليس على رأس اولويات الرئيس المنتخب، فإنه مع ذلك بصدد صياغة سياسة مغايرة لتلك التي اتبعها ترامب بشكل ارتجالي وسلبي، فهو على معرفة دقيقة للأوضاع في العراق منذ عقود طويلة، ويرتبط بعلاقات صداقة مع بعض قادته، وتلك ميزة لم تتوفر لدى ترمب، الذي ينظر إلى العراق 
باشمئزاز.
ثانياً: تتلخص نصائح معهد واشنطن ومعاهد ستراتيجية اخرى للرئيس المنتخب على ان الاستثمار في أمن العراق ووحدته وديمقراطيته سيُظهر حنكة سياسية حقيقية، ومن الضروري انتشال العراق من الفوضى بمساعدة وتعاون الدول المجاورة، بدلا من تنافسها واحتداماتها على
اراضيه.
ثالثاً: عدم المخاطرة بإضعاف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي تتماشى رؤيته مع مصالح واشنطن، فهو يؤمن بقدرته على احراز تقدم في تلبية احتياجات العراق ومحاربة الفساد ونزع سلاح الجماعات المسلحة ولكنه يحتاج لأمرين: تحويل التركيز الاميركي على ايران وتنظيم الدولة الاسلامية في العراق الى شراكة طبيعية شاملة مع قادة العراق وشعبه، ودعم سياسته الخاصة بتحقيق تقدم تدريجي في المجالات كافة وعدم التعجيل بدفعه لتحقيقه نتائج فورية.
رابعاً: يجمع المراقبون أن غرماء الولايات المتحدة مثل روسيا والصين تتعاونان في العراق أكثر بكثير مما تتنافسان؛ وكلاهما شريكان مع إيران، والعراق بالنسبة لهما يمثل مكسبا كبيرا، لذلك يمد الجميع نفوذه فيه مما يتعارض كلياً مع المصالح الغربية.
خامساً: تبدو الصين اليوم أكبر شريك تجاري للعراق، فهي تتقدم حتى على "الاتحاد الأوروبي" والولايات المتحدة. 
والعراق اليوم ثالث أكبر مُورِّد للنفط الخام للصين بعد السعودية وروسيا، وتكاد تكون اكبر المخاطر الحقيقية للمصالح الغربية هي اتفاقية "النفط مقابل الإعمار" التي عقدها رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي بقيمة تقديرية بلغت قرابة 500 مليار دولار تدفع بالآجل عن طريق النفط تدريجيا، لأنها ستشكل مع الوقت أحد اكبر مرتكزات توحيد المصالح بين الصين والعراق.
إستناداً الى هذه الوقائع فإن الرئيس المنتخب عليه مهمة اعادة الاعتبار لبلده وتحقيق مصالحه ليس بالتحدي والاحتدام والعقوبات وشن الحروب، ولكن بالتفاهم والتعاقد وتحقيق المصالح، فهل ستجري الامور على ما ذكرنا انفا ام ان المفاجآت هي التي ستقرر مصير تموضع القوى الدولية؟.