ماذا قال كبير سايكولوجيي «سي آي أي» عن الرئيس ترامب؟

آراء 2020/12/22
...

  ترجمة وإعداد: أنيس الصفار 

 
 
توفي في مطلع شهر كانون الأول الحالي «جارولد أم بوست» وهو سايكولوجي رائد سبق له العمل في وكالة المخابرات المركزية الأميركية بصفة محلل شخصيات ثم مستشار. سبر بوست اعماق حياة عدد من القادة الاجانب في العالم وحلل انماطهم في القيادة، وفي بعض الاحيان عمل حتى على تشكيل صور لدواخلهم وأمراضهم العقلية. على مر عقود من الزمن كانت خبرته وفطرته الغريزية المرهفة مطلوبتين بإلحاح، وخصوصاً في البيت الأبيض.
تلقى بوست تعليمه في جامعتي «ييل» و»هارفارد»، وهو الذي أشار الى الرئيس الأميركي السابق «جيمي كارتر» بأفضل طريقة لإجراء المفاوضات بين «مناحيم بيغن»، رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك، والرئيس المصري أنور السادات قبل عقد اتفاقية السلام في «كامب ديفد»، حيث اوضح له معاناة السادات من «عقدة جائزة نوبل» ورغبته في ان يخلد ذكره كزعيم عظيم، كذلك كشف له وقوع بيغن تحت سلطة المشاهد التوراتية وهوسه بالتفاصيل.
في آب 1978، وبعد افتتاح المحادثات بين بيغن والسادات في «كامب ديفد» قام الرئيس «جيمي كارتر» بزيارة لمقر وكالة المخابرات المركزية في لانغلي. هناك استمع كارتر الى ايجاز عن الرجلين، بيد انه قاطع المتحدثين وطالبهم بما هو اكثر من تاريخهما السياسي المجرد. قال انه بحاجة للغور في عمق شخصيتي بيغن والسادات. 
كان الجواب المطلوب جاهزاً لدى «ستانفيلد ترنر» مدير الوكالة، وهو الدكتور «جارولد أم بوست» المحلل المعروف في الوكالة ومؤسس «مركز تحليل الشخصية والسلوك السياسي». بسرعة أعد بوست تقريراً مفصلاً تنبأ فيه بالطريقة التي ستتجاوب بها كل من هاتين الشخصيتين وردود فعلها. خلص بوست الى ان مفتاح شخصية بيغن هو هوسه المرضي بمنع وقوع «هولوكوست» جديد، أما السادات فهو تطلعه الى السطوع بحيث يطغى على سيرة سلفه جمال عبد الناصر.
نجح مؤتمر قمة «كامب ديفد» وتكلل ذلك باتفاقية سلام بين اسرائيل ومصر نال على اثرها الزعيمان معاً جائزة نوبل للسلام، وهو انجاز كان الفضل فيه بدرجة كبيرة للصورة التحليلية المتكاملة التي أعدها الدكتور بوست، وقد شهد بذلك الرئيس كارتر في وقت لاحق. 
حذّر بوست ايضاً من خطورة تبسيط الأمور حين كان صدام حسين ينعت بأنه «مجنون الشرق الأوسط»، فهذا النعت برأيه يمكن ان يضلل الزعماء السياسيين ويغريهم بالاعتقاد انه شخص لا يمكن استقراؤه او التكهن بتصرفاته، في حين انه لم يكن كذلك. كان بوست يعتقد ان رجالاً من امثال صدام حسين وآية الله الخميني ينبغي أن يفهموا على اساس خلفياتهم الثقافية والتاريخية.
يقول «بروس رايدل»، وهو زميل أقدم في معهد بروكنغز سبق له العمل مع بوست في وكالة المخابرات المركزية: «كان يستند في حجته الى أن مجرد كون الشخص عدوا لنا، ومختلفا عنا كل الاختلاف، لا يعني انه مريض نفسياً او مجنون.» 
بحكم خبرته في سايكولوجيا الارهاب تمكن بوست من تشكيل الصورة النفسية حتى للمفجرين الانتحاريين وأعطى قراءته لنمط القيادة الذي ينتهجه زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن.شملت أعمال بوست التحليلية قائمة من القادة والشخصيات الاخرى التي عرفها العالم، ومن بين هؤلاء الرئيس السابق «بيل كلنتون» ورئيس الوزراء البريطاني السابق «توني بلير».
في اواخر العام 2019، أي قبل وفاته في 22 تشرين الثاني وهو بعمر 86 عاماً جراء اصابته بمرض كورونا، وجد بوست نفسه يقدم على ما لم يكن يخطر له ببال، حيث نشر كتاباً ضمّنه تحليلاً للتكوين النفسي المشبع بالنذر لأحد رؤساء الولايات المتحدة اثناء توليه المنصب. كان ذلك عندما ألف كتابه: «الكارزما الخطرة: التكوين السياسي النفسي لدونالد ترامب ومريديه».
بتأليفه هذا الكتاب جازف بوست بخرق قاعدة غولدواتر التي يلتزم بها «اتحاد السايكولوجييين الأميركيين» وتحظر الكشف العلني عن التحليل النفسي لشخصيات عامة إلا بعد اجراء تقييم كامل والحصول على الموافقة. تقول زوجته: «كان يردد أنه لن يحزن حتى لو نبذه الاتحاد المذكور رغم كونه عضواً مدى الحياة فيه، لأنه كان يشعر ان الأمر خطير وأن واجب العالم السايكولوجي هو التبصير والتحذير».
من خلال عمله في وكالة المخابرات المركزية تمكن بوست من الجمع بين عناصر ولعه الثلاثة: علم النفس والتاريخ والسياسة، وقد تحقق له ذلك بتأسيس «مركز تحليل الشخصية والسلوك السياسي». كانت مهمة هذا المركز، وهو وحدة لعلوم السلوك متعددة التخصصات، اجراء تقييم للزعماء الاجانب ثم رفع تقرير عنهم الى رئيس الولايات المتحدة او سواه من كبار المسؤولين.
يقول «نيكولاس ديموفيتش»، وهو مؤرخ قديم العهد يعمل في وكالة المخابرات المركزية تقاعد في 2016: «أثبت بوست من خلال اعماله أهمية إشراك المتخصصين في عملية تقييم صحة القادة الاجانب وأحوالهم النفسية».
قال بوست ذات مرة في مقابلة مع صحيفة «نيويوركر»: «لدينا صور ملتقطة بالأقمار الاصطناعية تستطيع التركيز على كرة غولف وتظهر النقاط المقعرة الصغيرة على سطحها، رغم هذا لسنا قادرين على التقاط ولو لمحة من داخل عقول خصومنا».
في آخر مهمة قام بها لتشكيل الصورة السايكولوجية لزعيم دولة سلط بوست كل خبرته على الرئيس «دونالد ترامب». في كتابه «الكارزما الخطرة»، الذي شاركت في تأليفه «ستيفاني دوسيت»، وصف بوست ترامب بأنه «زعيم كارزماتي مدمر ينطوي على خصائص الشخصية النرجسية الكلاسيكية، مثل الشعور بالتعالي وانعدام الاحساس بالاخرين والتحسس المفرط من الانتقاد مع غياب روادع الضمير. سبر بوست ايضاً اغوار العلاقة التكافلية المتبادلة بين ترامب واتباعه فخلص الى الوصف الاتي: «القائد الكارزماتي الخطير المدمر لديه القدرة على استقطاب اتباعه باختلاق عدو خارجي، وهو يشدهم اليه والى بعضهم البعض عن طريق التلاعب بهم وإشعارهم أنهم ضحايا».
قبل عام من يومنا قال بوست وهو يعني ترامب بقوله: «إذا ما خسر الانتخابات فأعتقد ان بوسعنا الوثوق بأنه لن يتخلى بسرعة، بل قد يرفض الاعتراف بشرعية الانتخابات اصلاً، ومن غير الواضح مدى شدة رد الفعل التي ستصدر من أتباعه». 
عن صحيفتي واشنطن بوست 
ونيويورك تايمز