ما جديدُ السيَّاب؟

ثقافة 2020/12/23
...

 جبّار وناس
 
في يوم 24 - 12 - 1964 توقف مشوار الحياة عند الشاعر الكبير بدر شاكر السيّاب بعد أن انطوت حياتُه لثمانية وثلاثين عاماً ليرحلَ عن عالم الدنيا تاركاً أوجاعَه الذاتية بمعية إرهاصاته الأولى وهو يخطو باتجاه التفرد والوقوف تحت مظلة الضوء متفرداً مائزاً بما قام به من تحريك الذائقة الشعرية وحركة الثقافة وهو يُمسك بعصا الخروج المشروع في تغيير ما تنمطتْ عليه آليات التصور والقراءة والثبات عن حدود مضى عليها زمن يمتد الى قرن ونصف القرن من التثبت على حدود شاخصة أُكتسِبَ بعض منها من شرائع التقديس وعدم الخوض بزحزحة ما تشذرت عليه جدران تلك القداسات. 
ولعل سائلا يقول ما الجديد وأنتَ تنبشُ في تفاصيل حياة شاعر بات واضحا كوضوح الشمس
والقمر؟ 
ولنا أن نُجيبَ وبوضوح تام أيضا من خلال العودة الى ما يجعلُ السيّاب يتفرد بالجديد أن الشاعر السيّاب ومن معه من شعراء آمنوا بوضع حد لتلك الثوابت في التلقي وانشائية الاساليب المتبعة في تاريخ الشعر العربي وحركة الثقافة بشكل عام. 
ومن هنا تبرز آمالنا حذاقةُ السيّاب وهو يتعامل مع ظروف محيطة به سياسيا وثقافيا وحضاريا فكان أنْ انتهز ذلك التحول واعادة الحياة بشكل جديد بعد أن تعرض العالم إلى هزة كبيرة سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا من جراء ما تركته مخلفات الحرب العالمية الثانية ورغبة الشعوب الحية أن تستثمر هذا الفراغ الجديد والذي يشكل علامة مائزة على فرص ذهبية ستكون اثارها عظيمة حين يصار إلى استثمار كل تمفصلات هذه الفرص التاريخية والتي تستجد في تاريخ حياة الشعوب والأمم. 
وعندي أنَّ السيّاب كان حاضرا ونابهاً في استحضار التصور الواعي لذلك التحول والطرق على حدود الثوابت النافذة في التلقي والتعايش المستكين مع ما تحتضنه تلك الثوابت، فراح السيّاب يطرق على الأسماع بأسلوب منهجه الجديد في تغيير ذائقة التلقي أولا وليعطي إشارة البدء في فعل شجاع لقراءات جديدة ستمس ما هو راكس في ثوابت عُدَتْ راسخة ليشمل قراءة فعل الثقافة وما تتصل به في أمور اخرى في الاجتماع والسياسة والاقتصاد، وحتى وإن لم يكن السيّاب هو من بادر في قراءة تلك الأمور الأخرى ولكن لفعله في مجال ميدان إبداعه سيكون محط اهتمام وبادرة شجاعة سيتسلح بها آخرون وضمن ما يشتغلون به في ميادين تخصصاتهم ليعلنوا عن تأثرهم بتلك المبادرة الشجاعة التي تمسك بها السيّاب وراح يبثها في كل محفل يطل من خلاله ليعلن عن مشروعه الشعري الجديد وفق تصورات جديدة ومضامين جديدة لم تشتمل عليها ذائقة التلقي من قبل.
 فكان السيّاب يتحول بمنهاجه الشعري ويتنقل من اساليب ثابتة ليخرج بها بروح جديدة ومضامين تنفتح وفق متغيرات الحياة التي تصيرت بعد الحرب العالمية الثانية، ومن هنا يبقى سرُّ جديد السيّاب بتلك العلامة والتي تبقى حاضرة في كل راهن يشهده المجتمع، وهي علامة الانطلاقة والتجشم بروح الشجاعة المقرونة بإيمان عظيم بمردود ما سيسفر عنه ذلك المشروع الذي يحظى بتميز كبير في تاريخ الحركة الشعرية المعاصرة في العراق والعالم العربي، ومن هنا ايضا لنا أن نقرأ السيّاب بعيدا عن حدود الرأي الذي سيجعل من السيّاب ومشروعه التجديدي في حركية الابداع الشعري ضمن الفهم الذي يقول إنّ السيّاب واضح كوضوح الشمس والقمر. 
وهذا يخالف ما كانت عليه أنفاس شاعرنا السيّاب لأن تكون أمامه مساحات جديدة لم تكن معروفة مسبقا على خرائط التصور والتثبت مكانيا وزمانياً، وتلك هي سياحة السياب التي بدأ بها وقال للقادمين أن سيروا ولكم أن تكونوا قبالة تصورات جديدة وطروحات مثابرة عليها أن تتسلح بروح المغامرة والشجاعة والايمان العميق بمدى فاعلية السير إلى فضاءات
 جديدة.