محمد شريف أبو ميسم
لم يكن تسريب مسودة موازنة 2021 محض خبر غير مرخص وحسب، بل كان بكل المقاييس عملا غير مسؤول كما وصفته وزارة المالية في بيانها الخميس الماضي، بعد أن أفضى الى انهيار سعر صرف الدينار وتعرضت سوق الصرف الموازي الى هزة مفاجئة وكبيرة زادت انكماش السوق وتعطيل مصالح الناس والاضرار بالمصلحة العامة لصالح المضاربين.
وكل هذا من أجل الاثارة الصحفية، اذ عمدت الجهة التي سربت المسودة، من دون ترخيص الى اثارة اهتمام الجمهور وجذب الانتباه في سياق عناصر بناء الخبر الصحفي، من دون الاكتراث الى مآلات ما يترتب على النشر حتى في أكثر الأخبار دقة وموضوعية ذات الصلة بالمواقف التي ترتبط بالمصلحة العامة. بينما ينطوي مضمون ما ورد فيها (وتحديدا سعر صرف الدينار) على أهمية التحقق من الجهة المعنية بالسياسة النقدية في البلاد، والذي يتولى ادارتها البنك المركزي بوصفه جهة مستقلة مسؤولة عن الاستقرار النقدي، ولا يمكن نشر الخبر من دون الرجوع اليه وبيان رأيه في قضية من اختصاصه.
وعملا بمبادئ صناعة الخبر الصحفي، القائمة على أساس عدم الاضرار بالمصلحة العامة، وبناء على ما ورد في بيان وزارة المالية من امتعاض وأسف عميق للنشر غير المصرح به، مع غياب الموضوعية وتحري الدقة من الجهة المعنية بتحديد سعر الصرف الرسمي، يكون من المفيد معرفة الدوافع التي وقفت وراء هذا التسريب، الذي أفضى الى تراجعات كبيرة في سعر صرف الدينار حيال سعر الدولار الأميركي الى نحو 1385 دينارا حتى ساعة كتابة هذا المقال، بعد أن كان في حدود 1280 دينارا، وبات مرشحا لمزيد من التذبذبات لصالح المضاربين على حساب مصلحة البلاد والعباد، على الرغم من استمرار البنك المركزي في اعتماد سعر الصرف الرسمي بقيمة 1189 دينارا لتمويل التجارة الخارجية، فضلا عن القلق الناجم عن تبعات ما ستؤول اليه حالة الانتظار بشأن المدة الزمنية لاقرار الموازنة ما بين مجلس الوزراء ومجلس النواب والمصادقة عليها ومن ثم نشرها في جريدة الوقائع العراقية، وصولا الى مرحلة اصدار تعليمات الموازنة والعمل بها. وخلال هذا الوقت ستشهد السوق حالة انكماش تلحق بالمشهد الكلي مزيدا من الضرر، بينما سيضع الكشف عن دوافع التسريب، حدا لمزيد من التراجعات في سعر الصرف ويخفف من حدة الاحتقان ومن ما يقال بشأن التسريب المقصود للتمهيد الى عملية تعويم العملة في بلد، ما زال يعاني من اختلالات هيكلية كبيرة في
اقتصاده.