ثنائيَّة اللون والفكرة في أعمال خولة الحسيني

ثقافة 2020/12/25
...

  زهير الجبوري 
 
ما يثير في تجربة التشكيلية خولة الحسيني أنها تطرح اسئلة ضمنية في اشتغالاتها المتواصلة، أو موضوعاتها التي تأخذ في الوهلة الأولى إطارها التجريدي، ولعلني أجزم بأنها واحدة من الفنانات اللواتي يشتغلن على مرجعيات الفكرة داخل كل عمل فني، سواء في اللوحة الواحدة أو الثيمة الداخلة في اللّوحة. فهي تسهم في جعل أسلوبها الفني الذي له مرجعيات تجريدية واضحة، له بصمة التفرد، وقد طرحت أفكارها المتعاقبة من خلال تجاربها السابقة في المعارض الشخصية، كان آخرها (المعرض الشخصي السابع المعنون بشعريات الفردوس في العام 2017 في مدينة الحلة)، ولسمة التفرد هذه حاسة يلمسها المتلقي من خلال قراءة الاشكال قراءة تأويلية، ربما هناك مقاربات قصدية في جلّ الأعمال، بمعنى فك الشفرات المكوّنة للفكرة المطروحة. وبصراحة أقول إنها فنانة غير بريئة في اشتغالاتها، لأنها تمتلك عقلية تحليلة وثقافة فنية ومعرفية، اضافة لمهارة واضحة في لعبة اللّون، وكيفية جعل كل الثيمات في مقاربات موضوعية واحدة ومكتملة.
تفرض الحسيني حواسها عبر متخيل ذهني، وتشكل مساحة كافية في اسقاط فكرتها، وكأنها تنشئ عالمها الفني عبر فلسفة متداخلة ومتناظرة معاً في عدتها التشكيلية، حيث (الفكرة وطريقة انشائها) جانب جمالي يكمله جانب جمالي آخر هو (اللّون وبعض العجائن المتاحة)، وبقدر استطاعتها في ابراز العلاقات المتشاكلة في الألوان، فان ذلك يمنحها ان تُسقِطْ تجربتها بشيء من الموضوعية ذات الطابع الرمزي  من خلال توظيف العلامات الدالة على الشبابيك ذات البعد الديني او المثيولوجي، أو بعض الأشكال المعبرة عن حركة اجساد ووجوه درامية، وهنا نمسك بخيط من خيوطها المتراصفة في طرح الأفكار بالطريقة التي تظهرها، فثمّة وعي اسلوبي بارز في لوحاتها، وعي انتجته قراءات عميقة، إذ عالم التشكيل جمالي تلتقي في جوانبه تفاصيل معرفية استلت من الواقع يضاف اليها العدة التي يشتغل عليها كل فنان. إنّ استقراء اعمال الحسيني في ظل ما جاءت به من عنوانات عتباتية في تجاربها الخاصة في المعارض الشخصية يبرهن انها تشكيلية ذات مضامين دقيقة ومعمقة، وتأخذ في تفاصيلها جدل الفكرة وتكريسها بشعرية اللون، ولعل وجود هذا الأسلوب اعطى لها سمة التشخيص لوجود تناغمات مشحونة باحساس الشكل المكتمل الأبعاد، ولم تكن الموضوعات المطروحة بتعددها سوى لعبة مراوغة لطرح قضية كبرى، قضية الانسان المكبل بالموجودات، ولأن شروط اللّوحة وضوابطها الجمالية تقتضي طرحها بالشكل الذي شاهدناه، فان جميع الأعمال هي (مسرودات تشكيلية بصرية)، وبالتالي نمسك من خلال الابعاد الدلالية لكل لوحة. إنها تطرح قضية أو تشتبك مع أفكارها لطرح هذه القضية من خلال عدتها اللونية وما رافقها من عجائن خاصة بها، في حقيقة الأمر ثمّة اكتشاف جدلي في لوحات الحسيني من ناحية استخدامها اللّوني، فهي تحصره في ابراز مضموني في الأغلب، وهذا ما جعله ـ أي اللّون ـ بمنحى دلالي، فالأفكار حين تتجسد بوصفها قضية جمالية فنية، لا بدّ من عوامل لإظهارها، وهنا اقصد في الفن التشكيلي وما يقوم به كل فنان في دور فاعل ومؤثر، وحينها تنبثق الرؤية الجمالية المشحونة بالفكرة، أو كما يصف ذلك الناقد ياسين النصير (بدت اللوحة مشحونة بعدة تكوينات، بعضها يتراءى عبر شفافية لونية، وبعضها حضر بثقل في وسط وامام التكوين)، ومجمل ما تشير إليه أعمال الفنانة من الزاوية هذه، ان لوحاتها كاشفة عن رؤية فيها احتمالات التأويل، وبالتالي يصبح اللّون الثمرة الناضجة لفكرة أوسع، لا كما يعبر عنه مجرد علامات سيميائية فحسب. لم تكن موضوعية الفكرة هي المهيمنة في اعمال الفنانة فحسب، ولا الهيمنة الأدائية في اللّون، ولا الاضافات المساعدة، إنما هناك تقانات انشائية تتركز في ابعاد اللّوحة، بمعنى هناك قراءة تكوينية للسطح انطوت على هدم البياض، أو ملء الفراغات، وهذه الطريقة يمكن حصرها في تحليلنا النقدي بلعبة اللوحة عبر عقلنة تجريدية معاصرة. 
وباختصار حين تطرح الفنانة تجربتها بأسلوبها التجريدي المعهود وبالثيمات المضمونية وهي تركز على جميع الزوايا، فهي طريقة ربما تفردت بها عن غيرها، أو هي طريقة تمنع حدوث الفوارق بين المسافات أو التراكيب المحيطة بكل لوحة، وكان لي الاطلاع على أعمالها في السنوات العشر الأخيرة أو ربما أكثر، تبيّن لي انها تشتغل على ردم الهوة ومحاولة سد الفراغات، ترى كيف يمكننا قراءة هذه الحالة، أهي معالجة نفسية عبر فلسفة اللّون، أم هناك تراكمات ثيمية تريد اسقاطها في لحظة واحدة؟. 
يخيل للمتلقي المختص أنها طريقة تعتمد تشكلات واعية أو تشكلات فيها دراية فنية متضمنة على جميع الأبعاد الجمالية في ثنائية الفكرة والمضمون، يرافقها الاستخدام اللّوني الدال على العلامة بوصفها اشارة لمعنى معين.
التشكيلية خولة الحسيني تُشبّع اعمالها بفضاءات مكتفية بعلامات تجريدية دالة على تشكلات اللّون وبعض خلطات العجائن، وطرحت عبر مراحل تقنية من خلال توزيع الثيمات توزيعاً دقيقاً، وقد حافظت على وحدة المضمون، لأن الجانب الأساس الذي تريد تمريره، أو تريد التركيز عليه هو اعداد الفكرة والعمل عليها، فثقافة الفكرة ومرجعياتها تجد عوامل اساسية في ابرازها، أهمها ثنائية التخطيط واللّون قابل للتأويل عند المتلقي.