أحمد حسين
الضباب ليس بجديد على طقس العراق فقد اعتدنا عليه في كل شتاء حتى في الشتاءات الساخنة الاستثنائية في عقد التسعينيات من القرن الماضي، ربما تستغرب الأجيال الناشئة من مفردة شتاءات ساخنة، نعم في بعض سنوات تلك الحقبة السوداء كانت درجات الحرارة لا تنخفض إلى حد تستدعي أن نرتدي الملابس الشتائية، ورغم ذلك كان الضباب رفيقاً وفياً لا يفارقنا في بعض المحافظات وأطراف المدن ومنها العاصمة بغداد، مناطق مشهورة بكثافة الضباب، حيث مناخها وطبيعتها مهيأة لذلك.
العراقيون يعشقون الضباب لا أعرف لماذا، رغم أنه سبب رئيس في الكثير من الحوادث المرورية ويتسبب بإبطاء حركة السير وهو أمر يبغضه العديد من العراقيين المستعجلين والمأخوذين بالسرعة الفائقة المتهورة، بغض النظر عن نتائجها الكارثية والمأساوية التي نعيش تداعياتها منذ زمن، عشقنا للضباب هو ما أنتج لنا أنظمة وكتلاً وأحزاباً ذات ضبابية سياسية مزمنة طوال أيام حكمها، كما توالدت لدينا أجيال لا ترى بوضوح من الذي يمكن أن يمثلها ويحكمها.
الضباب في العراق لا يقتصر على الطقس فقط بل أنه يدخل في أدق تفاصيل حياتنا ويفرض وجوده بقوة، لأننا لا نريد أن نرى الحقيقة ونتغافل عنها بمسميات وعناوين رنانة براقة، صنمية وقدسية في الوقت نفسه، لا نحاول-باستثناء البعض منّا- أن نزيح طبقات الضباب التي تحجب الرؤية، لكي نرى ما أمامنا بل ما تحت أرجلنا، نحن – وأقصد الغالبية وليس الجميع- استسلمنا للواقع المر من دون محاولة تغييره ومن يعمل على تغييره لا نسانده ليس جبناً كما يروج بعض الموتورين، لكنها سايكولوجية القطيع التي تؤمن بأنه ما دام الضباب يخيم على الأجواء، فالأسلم أن أجلس في مكاني للحفاظ على سلامتي وسلامة أسرتي، أو أن الأمور هكذا تسير وأنا لن أغير شيئاً منها، أو أن هناك قوى عظمى هي المتحكمة بالمجريات ولست نداً لها، أو أنه القدر ومن أنا لكي أغيره، والكثير من المبررات الواهية.
ما نتغافل عنه هو أن الضباب ليس واقعاً اجتماعياً أو سياسياً، بل هو مجرد ظاهرة طقسية تنتهي خلال ساعات أو أيام وفقاً لمجريات تفرضها الطبيعة، أما ضبابية الحكم والمستقبل فهي محاولات سياسية نفعية لا تقوى على مواجهة الشعب إذا ما أراد إبطال مفعولها وإزاحتها عن مناخه.