بين الكاتب والوقت كما المكان ألفة وطقوس مختلفة، تبدأ منذ توهج وتوقد الفكرة وصولا الى رسم مخطط ذهني، ربما يستخدم ورقة وقلما، يكتب هامشا، لتصوير اللحظة الطرية التي تنبثق من حلم يتعاطاه وفق تمثلاته الحياتية ومنظور يغاير التكلس في الواقع
الراهني.
للكاتب مع الصباح علاقة تتجدد في برنامجه اليومي الذي قد يبدو مألوفاً، لكن دون أن يدري أو يعلم، تجده قد سلك طريقة مغايرة في وقت الكتابة، أو المطالعة وتنفيذ مهامه التقليدية، علاقة انهماك مع مشروع خطط له. وضع لمساته كما يحلو للبعض أن يدون ويرسم الفكرة وخارطة العمل الذي يسّهل عليه مهامه ويختصر عليه بون التشعب، هذا جانب مهم في حياة الكاتب، ينهمك مع التداخلات الحياتية، لكن ذهنه منشغل في توق لتنفيذ خطواته بشغف وحيوية، للإمساك باللحظة الهاربة في حيز الورق..
وقد توالدت لدينا بعد النهضة التقنية وصراعات التكنلوجيا، هناك من يكتب مباشرة في وسائل التطور التقني، وهناك من لا يجد متعة في نقر الحروف ومتابعتها على الشاشة، على الرغم من شيوعها وحيزها الكبير، ربما تسّهل عملية التدوين ومراقبة الكلمات وهي تتراصف بعناية فائقة، حيث تختلف أدوات الكتابة من كاتب الى آخر.
بحكم التعود والممارسة والطبيعة البشرية في السلوك العام ونمطية تنفيذ خطوات البرنامج الكتابي في
مرجله.
قد تجد من يدون في دفتر صغير بعض صفحات لفكرة خاطفة، ويترك الدفتر ليباشر الكتابة في دفتر آخر، هذا ما وجده الأصدقاء ممن أطلعوا على إرث القاص محمود عبد الوهاب بعد
وفاته.
كما اشار أحد الأصدقاء وهو حيّ يرزق الى أن المرحوم محمود عبد الوهاب هو من الأوائل الذين كتبوا قصيدة النثر في البصرة، ويعد رائداً لها في المدينة، إذ وجدوا بين أوراقه بعض النصوص ومنها قصيدة عنوانها (على كرسي متحرك) كتبها مطلع خمسينيات القرن الماضي.وددت الإشارة الى ذلك في ضوء أدوات الكتابة، وكان رحمه الله يستخدم القلم الرصاص والممحاة دائما، لفكرة مفادها وحسب قوله “ حين استخدم القلم الجاف أو
الحبر.
ويحدث إذا أردت أن تغير كلمة أو جملة تتشوه الورقة”.. نعم تتنوع أدوات الكتابة بين كاتب وأخر وربما حتى الطقوس ووقت الكتابة، وماذا يستخدم هذا الكاتب أو ذاك، وحتى نوع الشراب والشاي والقهوة، ونوع السجائر الذي يجدها منبها
ومحفزاً؟
هذه ليست قاعدة يعتمدها الكتاب ولكن هذه أمثلة لبعض من عاصرناهم في حيواتنا، فعلا هناك العديد من الأشياء النادرة والناعمة، التي تشغل الكاتب وهو يطرح أسئلة في خطابه المعرفي لتنصهر الأجوبة في ذهنية المتلقي وهو يبحث عن الاطمئنان لتحريك الثقافات الراكدة كي لا تلتبس الأجوبة في جوهر الأشياء.
هكذا تشتغل اللحظات السائرة عند الكاتب، في أوقات مختلفة وطقوس كتابية متغيرة، تبحث عن المفصلي في كسر نمطية السائد وفق منظور البراعة والصنعة والتصورات المتشابكة في
الحياة.