وفاة إيرينا إنتونوفا مديرة المتحف الروسي العالمي

ثقافة 2020/12/27
...

إيفان نيكيبورنكو
 
ترجمة: شيماء ميران
نتيجة لمضاعفات فيروس كورونا توفيت (إيرينا أنتونوفا) بعد أن قدمت للشعب السوفييتي نافذة على العالم، خلال عقود من عملها في متحف الفنون الجميلة الأصيلة في موسكو.عملت مشرفة على تأريخ الفن وترأست متحف بوشكين للفنون الجميلة في موسكو لأكثر من نصف قرن، واستغلت المتحف لإحضار الثقافة الخارجية إلى المواطن السوفييتي المعزول، وحولت المتحف إلى مؤسسة ثقافية كبيرة، حتى توفيت في 30 من تشرين الثاني الماضي عن عمر يناهز الـ 98.
وكان المتحف قد أعلن أن سبب وفاتها كان مضاعفات قصور القلب نتيجة الإصابة بفيروس كورونا.
أدارت السيدة أنتونوفا المتحف بسياسات ثقافية انعزالية صارمة للاتحاد السوفييتي في المرحلة التي أعقبت سقوط الشيوعية. وقامت في السنوات الأخيرة بتوسيع المتحف ليشمل المباني المتاخمة لاستيعاب المعارض المتزايدة، ما أثار غضب مستأجريه أحيانا.
ومنذ البداية استخدمت طاقتها التي لا تنضب لإنشاء روابط مع إدارات المتاحف العالمية الرائدة. وفي عام 1974، أحضرت لوحة الموناليزا من متحف اللوفر في باريس، وأصطف مئات الآلاف لمشاهدتها، وكان الطابور الوحيد الذي افتخرت به الحكومة السوفييتية في وقتها، وعرف الكثير أنها الفرصة الوحيدة لرؤية أعمال دافينشي الشهيرة.كما فتحت العالم أمام الشعب السوفييتي بعرض أكثر من 100 لوحة من متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك، ومعرض (كنوز توت عنخ آمون).
كما عرضت في متحف بوشكين أعمال تجريدية وطليعية لفنانين روس وعالميين. كان ذلك لا يصدق في دولة تُوقف عرض الفن غير الرسمي بالبلدوزر، وكان رئيسها آنذاك (نيكيتا سيرغيفيتش خروتشوف)، الذي صرخ حين زار معرض الفن السوفيتي الجديد عام 1962 قائلا إن بعض اللوحات التجريدية رُسمت بذيل حمار، ويمكن لحفيده أن يرسم أفضل منها.
واستضاف المتحف عام 1981 المعرض التاريخي (موسكو – باريس، 1900- 1930)، والذي جمع أعمال الفنانين الفرنسيين (ماتيس) و(بيكاسو) مع إبراز الفن الطليعي الروسي حينها، بأعمال فنانين مثل (شاغال) و(ماليفيتش) و(كاندينسكي). وأوضح المعرض كيف توافق الفنانين الروس جيدا مع ميول أوروبا الغربية، وكيف ساعدوا على تشكيلها أحيانا.وبفضل والدها البلشفي امتلكت السيدة أنتونوفا نسباً سهّل عليها التفاوض مع بيروقراطيي الثقافة السوفييتية. وبجمالها وذكائها تمكنّت من تحويل مجموعة كبيرة من تماثيل جصية مشهورة إلى متحف شامل ذي قيمة لعاصمة كبرى. 
إخلاص ومهنية عالية
وفي فيلم وثائقي خصص عن الذكرى المئة لتأسيس المتحف قالت السيدة أنتونوفا: «سُمح لنا بالقيام بأعمال لم يُسمح بها ابدا في أماكن اخرى. الحظر كان سهلا للغاية. وبينما لم يكن عليهم فعل الكثير، كان مسموحا لنا بالقيام بشيء ما».
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، واصلت سعيها لتقريب روسيا من العالم لخارجي من خلال معارض أعمال (جوزيف بويس) و(ألبرتو جياكوميتي) وآخرين.
كما تحركت للكشف عن كنوز فنية التي استولى عليها الجيش السوفييتي في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية واُخفيت في مستودعات المتحف. وجه النقاد لها انتقادات لتحركها ببطء وفشلها في الاعتراف بوجودها. لكنها أشارت إلى أنه كان من المستحيل التصرف خلال المرحلة السوفييتية.
وأوضح الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) في رسالة تعزية بوفاتها، بأن السيدة أنتونوفا تستحق الإشادة المهنية والعامة لأنها خدمت الثقافة الروسية بإلهام، باعتبارها خبيرة مخلصة مفعمة بالحماسة والتهذيب.
ولدت (إيرينا ألكساندروفنا أنتونوفا) في العشرين من اذار عام 1922 في موسكو، والدها (ألكسندر أنتونوف) كان عامل كهرباء وأصبح رئيسا لمعهد أبحاث، أما والدتها (إيدا م. هيفيتس) عملت في دار طباعة.انتقلت مع أسرتها إلى المانيا عام 1929 عندما اُرسل والدها للعمل في السفارة السوفياتية. وعاشت هناك لمدة أربع سنوات وتعلّمت الألمانية، واكتسبت ذائقتها للثقافة الأوروبية.تدّربت خلال الحرب على العمل كممرضة للعناية بالطيارين السوفييت، وكان الكثير منهم اصابتهم بليغة في مستشفيات موسكو.
 
حياة مهنية تستحق الاشادة
تخرجت من جامعة موسكو الحكومية، واُرسلت للعمل في متحف بوشكين، الذي أسسته مجموعة تجار أثرياء عام 1912، بفترة وجيزة قبل انتهاء الحرب، وعندما وصلت المبنى كان من دون تدفئة وسقفه الزجاجي منهار جرّاء القصف.
قالت مديرة متحف فنون الوسائط المتعددة (أولغا سفيبلوفا) وصديقة السيدة أنتونوفا في مقابلة صحفية: “لقد جلبت أنتونوفا للمتحف قناعة عميقة بأن الثقافة والفن لا حدود لهما: مؤقتة، جغرافية، وطنية. ودافعت عن تلك القناعات خلال الثلاثين عاما التي عاشتها وعملت بها في روسيا الجديدة تحت حكم ستالين وخروتشوف وبريجنيف وجورباتشوف”.
أصبحت أنتونوفا عام 1961 أول امرأة يتم تعيينها مديرة للمتحف. واستمرت بهذا المنصب حتى عام 2013 عندما عُينّت رئيسة له لتتخلى شيئا فشيئا عن الإدارة من أجل التركيز على تطويره الستراتيجي، امتدت فترة عملها الإجمالية بمختلف الأدوار ما يقارب 75 عاما.
كانت السيدة أنتونوفا خلال الحقبة السوفييتية محظوظة كونها مسموحا لها بالسفر، لكنها أوضحت أنها تبكي أحيانا حين تغادر مدينة إيطالية ثرية ثقافيا، لإدراكها إنها ربما يكون آخر تواجد لها هنا.وبدأت في تلك السنوات باستضافة سلسلة من الحفلات الموسيقية في قاعات المتحف الواسعة في كانون الأول من كل عام برفقة عازف البيانو السوفييتي المشهور سفياتوسلاف ريختر، وتسمى هذه الحفلات بـ (أمسيات ديسمبر)، ولا تزال بعض العروض هي الأكثر رواجاً في موسكو.أما زوجها المؤرخ الفني (يفسي آي. روتنبرغ) فقد توفى عام 2011، وعاشت مع ابنها (بوريس).
خلفتها في إدارة المتحف (مارينا د. لوشاك) التي قالت: “من الصعب تخيل متحف بوشكين من دون إيرينا انتونوفا”.
 
عن نيويورك تايمز