العقوبات الأميركية على تركيا هل هي بداية القطيعة؟

آراء 2020/12/27
...

 د. قيس العزاوي

 ليست هذه هي المرة الاولى التي تغضب فيها الولايات المتحدة على تركيا، فتاريخ الغضب بين الدولتين عريق، فقد غضبت أميركا عندما ضمت تركيا بولنت اجاويد(حزب الشعب) ونائبه نجم الدين اربكان (حزب السلامة الاسلامي) شمال قبرص عام 1974، وغضبت من تكرار انقلابات الجيش التركي، وخروقات حقوق الانسان، وغضبت عندما رفضت تركيا الاشتراك باحتلال العراق عام 2003، وغضبت عندما اتهمتها تركيا بدعم الانقلاب الفاشل عام 2016 ضد حكومة رجب طيب اردوغان، وغضبت من الهجمات العسكرية التركية لشمال سوريا في عفرين وتل ابيض ضد قوات حماية الشعب الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة.
 الغضب الاميركي والغضب التركي المضاد جزء من علاقات متوترة دامت، وربما ستدوم ردحا اخراً من الزمان قبل ان ينفرط عقد المصالح الستراتيجية، فالمصالح هي التي تفرض التطبيع والتصعيد. جديد العقوبات  الأميركية ليس جديداً، فحين لم تنفع التحذيرات  الأميركية للحليف التركي بعدم شراء اسلحة روسية، صوت الكونغرس بموجب قانون مكافحة خصوم أميركا (كاتسا) على فرض عقوبات على تركيا ودخلت العقوبات نظرياً حيز النفاذ.. أفرز هذا التطور الحقائق التالية:
 اولاً: يرى الاتراك انه لولا الرفض الاميركي تزويدهم بصواريخ باتريوت، ولولا الدعم الاميركي للانقلاب الفاشل ضد حكومة اردوغان عام 2016 لما تعززت المخاوف التركية من الحليف الاميركي التي تسببت بتقارب تركيا من روسيا وشرائها لنظام الدفاع الجوي الروسي اس 400. لقد جاءت العقوبات  الأميركية لتعبر عن انزعاج واشنطن من استقلالية الصناعات العسكرية التركية عنها رغم التحالف بينهما. لذلك توجهت العقوبات الى هذه الصناعات، فأقامت حظرًا على جميع تراخيص وتصاريح التصدير  الأميركية لصالحها وجرى تجميد الأصول الخاصّة بالدكتور إسماعيل دمير، رئيس إدارة الصناعات الدفاعية ومسؤولين آخرين.
 ثانياً: إن العقوبات المتوقعة خمسة اصناف كما عددتها مجلة "فورن بوليسي"  الأميركية منها: تعليق عضوية تركيا في البرنامج المشترك لصناعة المقاتلة الشبح F-35. والغاء واشنطن تسليم اعداد منها إلى تركيا، وكذلك الغاء تدريب طيارين اتراك على قيادة هذه المقاتلة. وهناك عقوبات ممكنة اخرى منها إيقاف البنوك الأميركية أو المؤسسات المالية الدولية من تقديم القروض لأنقرة، ومنها فرض عقوبات على الشركات المشاركة في مشروع خط أنابيب الغاز التركي. 
 ثالثاً: ضعف الموقف التركي من الضغوطات  الأميركية يتجلى في مرونة ردود الفعل التركية اذ اعتبرت ادارة اردوغان أن "استخدام الولايات المتحدة قانون كاتسا ضدها إساءة لشريك مهم في الحلف الاطلسي". وان تركيا كما يقول رئيسها أردوغان "ستتحلى بالصبر وترى الاتجاه الذي سيظهر بعد تولي الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن مهامها. وتلوح تركيا بتمسكها بالامن الغربي، والقول إن تركيا جزء من "الغرب الستراتيجي"وهي عضو فعال في الحلف "الاطلسي" و"منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية". 
 رابعاً: تتزامن العقوبات مع مجيء رئيس أميركي جديد يُنظر له في أنقرة على كونه غير صديق، استنادا الى مواقفه السابقة ووعوده الانتخابية المعارضة للسياسة التركية في قضايا مثل معارضة سياسات تركيا في شرق المتوسط وقبرص وليبيا، والتراجع في مجال حقوق الإنسان، وتحالف ادارة اوباما وجو بايدن جزء منها مع قوات حماية الشعب الكردية وتسليحها وتدريب عناصرها، مما ينذر بتعميق الخلافات التركية  الأميركية.
 خامسا: تزامنت العقوبات الأميركية أيضاً مع عقوبات منتظرة من الاتحاد الأوروبي على تركيا بسبب أعمال التنقيب غير القانونية في شرق المتوسط، وتنتظر اوروبا تولي الرئيس بايدن السلطة لتضييق الخناق على أنقرة ووقف ما أسموه "العبث التركي في المنطقة، ومحاولات التمدد في سوريا وليبيا".
 واخيراً ربما تكون اقسى العقوبات الممكنة على تركيا هي العقوبات التنسيقية ما بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي، والتي آن أوانها بنهاية حكم ترامب، فحين تتمادى تركيا في تغيير تحالفاتها الامنية ستستخدم العقوبات الاقتصادية، حيث يمكن لواشنطن حرمان تركيا من الوصول إلى الدعم المالي من المؤسسات المالية الدولية، ويمكن للدول الاوروبية الضغط في مجالين هما: الاستثمارات التي تمثل 61 بالمئة من الاستثمار الاجنبي المباشر في تركيا، وفي مجال الديون لكون 80 بالمئة من ديون الشركات التركية البالغة 220 مليار دولار هي لمؤسسات اوروبية، تحولات كبيرة ستحدث قريبا وإلا القطيعة!.