فيدور دوستويفسكي: من أجمل، شكسبير أم الحذاء؟ .. رفائيل أم البترول؟

ثقافة 2020/12/29
...

ترجمة: مهند الكوفيّ
 
من ذا الذي وضعَ الفاصل في أدب روسيّا، إلى أن قالوا: ما الفرق بين الأدب القديم والحديث؟، من ذا الذي دل على الفلسفة والأدب؟ من عاش في أسرةٍ امبريالية وكتب رواية “الفقير”؟، من سجن في غياهب الليل الأليل وكتب “الليالي البيضاء”؟، من ذا الذي لا يحترم الأخوة والصدقات، وعاش منفردا وكتب “الأخوة كرامازوف”؟، من سمي العبقري الأخير، وكتب “الأبله”؟، من ذا الذي انتهى عمره في سجنه، ووصل إلى بيوتات العرب والأفارقة والانكليز؟، عاش في حجرة ورأى العالم؟، توحد في الفلسفة والفكر، وكتب الرواية والشعر!، من تحسبه ذلك النحيل الأقرع؟
محياهُ يشبهُ العجوز وهو ما زال طفلًا!، لِمَ نراهُ كاتبًا، وهو عامل ميكانيكيًا في الهندسة؟، كيف صار اِسمًا، وهو على منصَّة الإعدام؟، لآخر وهلة اِستُبدل ذلك الحكم بالعمل الشّاق لردحٍ من الزمن!، أبٌّ حبَّ، ابنته التي أحبّها كثيرًا وسماها “حب” في زمن لا يُذْكر فيه سوى الرَّماد! 
نظرةٌ سريعةٌ عن حياة  فيدور دوسّتويفسكي.
ابتدأ من رسالته عن الوقت، يقول: “لا أملك الوقت الكثير من الليل منذ الطفولة، أما الأوقات الأُخرى، نضع كل دقيقة في محلّها! نستمع الدروس، ونذهب بعد ذلك إلى التدريب المدرسي، نتلقى دروسًا في المبارزة، والرقص، والغناء.
رغم عدم مشاركتنا فيه، لذا يمر الوقت”. 
لم تكن ذاكرته هندسية، على الرغم من تخرجه من الهندسة عام 1843. كان مفتونًا بالأدب، رأسهُ اِتسع منذ الطفولة لقراءة هوميروس، بيير كورنيل، جان بابتيست، هنري دي بلزاك، فيكتور هيغو وويليام شكسبير. وكان الكسندر بوشكين أحد الشعراء الذين أحبهم دوسّتويفسكي كثيرًا، وحفظ قصائده. وتأثر بنيكولاي غوغل وميخائيل ليرمونتوف.
توفيت أمّهُ، ماريا فيدوروفنا عام 1837 في العام نفسه الذي توفي فيه الشاعر الكسندر بوشكين. كتب آندريه، شقيق دوسّتويفسكي، رسالة إلى فيديا تقول: “أكثر من مرة قلت: لم يكن عندنا حِدادًا عائليًا لموت الأم “ماريا فيودوروفنا” طلبتُ من أبي إذنًا، للحُزن على الكسندر بوشكين”.
في مايو عام 1854، أنهى أول رواية قد كتبها “الفقراء” اِستقبل العمل بحماس، الكاتب نيكولاي نيكراسوف، وسمّاهُ “غوغل الجديد” ونُشرت الرواية في بطرسبورغ. 
كتب بعدها رواية “المُزدوِج”. 
في عام 1847، أَصبحَ دوسّتويفسكي مهتمًا بأفكار الاشتراكيَّة. حضرَ حلقة بيتراشيفسكي، حيث ناقشوا حريَّة الطباعة وإصلاح المحاكم وتحرير الفلاحين.
في اِجتماع الدائرة، قرأ على الجمهور رسالة “بيلينسكي” المحظورة إلى غوغل. في نهاية أبريل 1849، أُلقي القبض على الكاتب، وقضى 8 أشهر في قلعة بطرس وبولس. 
واِعترفت المحكمة بعد ذلك، بأنه “أحد أهم المجرمين الذين لم يُبلغوا عن اِنتشار رسالة الكاتب بيلينسكي الإجرامية المتعلقة بالدِّين والحكومة” وحكمت عليه بالإعدام. مع ذلك، قبل وقت قصير من الإعدام، تم تخفيف حكم البيتراشيفسكي (الرابطة النقاشيّة، الغرض منها، مناقشة الفلسفة الغربية، والأدب المحظور). تم إرسال فيودور دوستويفسكي، إلى الأشغال الشَّاقة لمدة أربع سنوات في أومسك، ثم إلى الخدمة الخاصة في مدينة سيميبالاتينسك. وتم العفو عنه في عام 1856، بعد تولي الكسندر الثاني الحُكم.
في ستينيّات القرن التاسع عشر، كتبَ فيودور دوسّتويفسكي روايات أُطلق عليها فيما بعد، الكُتُب الخمسة العظيمة: الجريمة والعقاب، الأبله، الشياطين، المراهق، والأخوة كارامازوف. تم إدراجهم جميعًا، باستثناء “المُراهق”، في قائمة “أفضل 100 كتاب في كل العصور” وفقًا لنادي الكُتّاب النرويجي ومعهد نوبل النرويجي. أصبحت رواية “الأخوان كارامازوف”، كما أطلق عليها “حياة الخاطئ العظيم”، آخر أعمال دوسّتويفسكي. اِكتمل في نوفمبر 1880.
في فبراير 1881، توفي فيودور دوستويفسكي. تجمع مئات من الناس لتوديعهُ. اِمتد الموكب الجنائزيّ لميلٍ واحدٍ. ودُفن في مقبرة “تيخفين” التابعة لألكسندر نيفسكيلافرا في بطرسبرغ.
فجأة، وضعَ دوسّتويفسكي كأس الشاي بلا مبالاة على المَسْوَدة! وقف وبدأ طقوسه الكتابية المعتادة، كان يمشي ذهابًا وإيابًا في الغرفة، ويؤلف خطابات شخصياتهُ بصوت عالٍ.
نرى بقعة الشاي ذا اللَّونِ الغامق، وبعض الدَّمارات ذات اللون نفسه.
وضعها بشكلٍ عبثي على مَسْوَدة كتابية، تأكدتُ لاحقًا، إنها مسْودة رواية الشياطين، أو ربما رواية كتبها ورماها من أقرب نافذة! خط يده ناعم بالكاد يُقرأ. رسم في طرف المسْودة اليسرى رأس شخص أقرع، وشعر مجعد ولحية مدببة، ينظر للأسفل بعناية، يُقلد دوسّتويفسكي في صورته الشهيرة التي رسمها لفاسيلي بيروف. وتحت الرسمة كتب اِسم أتكينسون. فضلا عن كتابات أخرى مجْنُونة.
في يوليو 2014، أرسلَ البروفيسور بوريس تيخوميروف، نائب مدير المتحف الأدبي التَذكاري في بطرسبورغ، رسالة إلى البروفيسور فلاديمير زاخاروف، رئيس جمعية دوسّتويفسكي الدوليّة، مرفقًا فيها مخطوطة (رقم 2 / عام 1871) من رواية الشياطين، التي تسلمها زاخاروف في وقت سابق لفحصها وترجمتها.
ما كُتبَ في هذه المَسْودة: “الحيرةُ الكاملةُ تكمن في، من ذا أجمل، شكسبير أم الحذاء؟
رفائيل أم البترول؟ 
أعلنُ أن شكسبير ورافائيل، أهم من التحرر، أهم من الجنسيّة، أكبر من الاشتراكية، أهم من الكيمياء، أعلى من جميع البشر تقريبًا. لأنهم بالفعل الفاكهة، وكلنا نعلم أن الفاكهة حقيقية أكثر من الإنسان نفسه! وربما هم أكثر حقيقة من الفاكهة!” فيدور دوستويفسكي.
لا أعلم كيف عرف دوستويفسكي، رسمته التي رسمها توماس ويتلام، بعد وفاته بكثير، ورسم شكسّبير بالطريقة نفسها؟
ولكن، يعتقدُ الدكتور نيكولاي زاخاروف عالم فقه اللغة الروسية والباحث في شأن شكسبير، يقول: إنه كان قد سمع عن المهندس المعماري وكاتب الرحلات الانكليزي توماس ويتلام. هناك مقالة غريبة لدوستويفسكي ترجمها زاخاروف عنوانها “كتاب انكليزي عن الأدب الروسي” أومأ زاخاروف: أنه رد فعل فيودور على اِدعاءات توماس، عندما كتب: “حتَّى الآن، لم تطور المدرسة الأدبية الروسية الألوان الجديدة في الفن والأدب” من مراسلات شخصية لنيكولاي زخاروف/ 2014. 
الرسم ليس تصويرًا لأي من أتكينسون - إنه يصور شكسبير بمصداقية وبدقة كبيرة. من المحتمل أن يكون دوستويفسكي، قد كتب الاِسم مع الأحرف الأخرى غير المرتبطة بنص الرواية بشكل عشوائي على الصفحة. ويصادف أنه قريب جدًا من رسمهِ لشكسبير. ربما أن أتكينسون، قد كان في ذهنه وقت كتابة هذا التقرير، ولأسباب أكثر عملية، فإن “أتكنسون” يكاد يكون مخططًا متناسقًا أنيقًا لممارسة الكتابة اليدوية 
عليه.
ذَكرَ زخاروف محادثة غريبة يقول: سمعتُ قصة، أن رجلا قد مشى في أحد شوارع سانت بطرسبورغ، ودخل على محلٍّ لبيع الخبز، وبقي يتمعّنُ البائع الَّذي كان شابًا. قال: لم أطلت النظر فيّ؟ يسأل المشتري. قال: إنك تشبه شكسبير! أشبه شكسبير! من أين تعرفهُ؟ بالطبع أعرفهُ هو كاتبي المفض
المصدر: من مذكرات الدكتور نيكولاي زاخاروف.