وافقت السودان على تطبيع علاقاتها مع اسرائيل، وكان الثمن هو رفع اسمها من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب، وفي صفقة دبلوماسية مماثلة مع المغرب أجيب مطلب الأخيرة أن تعترف الولايات المتحدة بسيادتها على الصحراء الغربية. كذلك الإمارات العربية، فمسؤولوها الذين رغبوا في شراء مقاتلات الشبح «أف- 35» من الولايات المتحدة توجب عليهم توقيع «اتفاق أبراهام» اولاً، الذي كان ثمرة حملة الرئيس ترامب لتوطيد الاستقرار بين اسرائيل والدول المسلمة الرافضة او المعادية لها.
في كل حالة من تلك الحالات لوحت ادارة ترامب بحوافز معينة كثمن للتقارب لكن هذه الحوافز مهددة الان بالفشل، أما لأن الكونغرس سيرفضها أو لأن إدارة الرئيس المنتخب «جوزيف بايدن» قد
تنقضها.
لو حدث ذلك فإنه لن يهدد فقط سلسلة اتفاقيات المصالحة التي شهدتها المنطقة، بل سيؤكد ايضاً نظرة العالم عن الولايات المتحدة بأنها طرف لا يمكن الوثوق بقدرته على حفظ جانبه من اية صفقة دبلوماسية.
يعد «اتفاق أبراهام» البصمة التي ميزت منجزات ادارة ترامب في ميدان السياسة الخارجية، حيث كانت الوسيط لإقامة علاقات اقتصادية وسياسية جديدة مع اسرائيل، أو احياء علاقات قديمة. شمل الاتفاق دول البحرين والإمارات العربية والسودان والمغرب، ويقول مسؤولون مطلعون ان عمان وتونس ربما ستكونان التاليتين في الانضمام الى الركب، ومن المحتمل ان يمتد الدفء الى دول اخرى في اسيا ومناطق افريقيا جنوب الصحراء الكبرى حتى بعد مغادرة ترامب منصبه في كانون الثاني
المقبل.
تعد تهدئة التوترات بين اسرائيل وجيرانها الاقليميين نجاحاً من الناحية الشكلية دون شك، فهو هدف سعى اليه رؤساء سابقون جمهوريون
وديمقراطيون.
يقول «روبرت ماللي» رئيس «مجموعة الأزمة الدولية» وأحد المقربين من «أنتوني بلنكن» مرشح بايدن لمنصب وزير الخارجية: «العمل الدبلوماسي قائم على الصفقات، ولكن هذه الصفقات تخلط اشياء لا ينبغي خلطها».
يتوقع ماللي أن تحاول ادارة بايدن المقبلة التراجع عن بعض فقرات تلك الصفقات أو تخفيفها، حيثما تعارضت مع المعايير الدولية كما في حالة منح المغرب السيادة على الصحراء الغربية، او انتهكت السياسات الثابتة للولايات المتحدة مثل مبيعات «أف- 35» للإمارات
العربية.
ابدى الكونغرس حذراً هو الاخر ازاء الصفقات المبرمة. ففي الاسبوع الماضي وافق مجلس الشيوخ بأغلبية طفيفة على بيع دولة الإمارات طائرات الشبح وطائرات مسيرة بلا طيار واسلحة دقيقة اخرى، وهي دلالة على القلق حيال التوسع في صفقات السلاح المتجهة الى منطقة الخليج. من المحتمل ان ينقض الديمقراطيون هذا الاجراء في حالة سيطرتهم على المجلس بعد انتخابات الإعادة في الشهر المقبل. بصرف النظر عن ذلك ستعمد ادارة بايدن الى ضمان ألا تثلم الصفقة مع الامارات، البالغة قيمتها 23 مليار دولار، التفوق العسكري الاسرائيلي في
المنطقة.
عقب تصويت مجلس الشيوخ بيوم قال رئيس لجنة القوات المسلحة أنه أمر مثير للصدمة ومخيب للآمال أن تقرر ادارة ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وتوقع أن ينقض هذا القرار لأن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الافريقي جميعاً يعدون الصحراء الغربية منطقة مختلفاً
عليها.
ثم هنالك السودان، إذ لم تثبت صفقة دبلوماسية حساسيتها مثل صفقة السودان.
قد تبدو الحصانة في المحاكم الأميركية ازاء قضايا الإرهاب شأناً منفصلاً بعيد الصلة، ولكنها ارتبطت بشكل غير مباشر بشرط توقيع السودان مكرهاً على اتفاقية السلام مع اسرائيل في شهر تشرين الأول.
كانت وزارة الخارجية الأميركية قد اتخذت قراراً سابقاً برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مقابل دفع الخرطوم تعويضات لضحايا تفجير السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا في
1998. من جانبها طالبت الحكومة الانتقالية في السودان بإسقاط جميع قضايا الارهاب الاخرى التي يواجهها البلد بسبب الهجمات المدرجة باسمه للسنوات السبع والعشرين الماضية، وافقت وزارة الخارجية على ذلك وقابلته في الصيف الماضي بشرط من جانبها، وهو ان يبدأ السودان بإذابة جليد نصف قرن من العداء مع
اسرائيل.
لكن ليس بمقدور أحد أن يمنح السودان ما يطالب به بصورة قانونية إلا الكونغرس، لذا كان الجدال محتدماً بين المشرعين حول هذه المسألة طيلة الاشهر الماضية، لأن الاجراء سوف يجرد أسر ضحايا هجمات 11 أيلول 2001 من فرصة المقاضاة أمام
المحاكم.
يؤكد السودان أنه غير مسؤول عن هجمات 9/11 لأن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن كان قد ترك ملاذه هناك قبل خمس سنوات من تنفيذ الهجمات. لكن التسوية التي انتهى اليها الكونغرس تسمح للقضايا المقامة بخصوص هجمات 9/11 بالاستمرار، وهذا يعني احتمال اعتبار السودان مسؤولاً وتحميله تعويضات للضحايا تقدر بمليارات الدولارات، كما يقول المسؤولون والمطلعون على سير المفاوضات. أما ممثلو السفارة السودانية في واشنطن فقد امتنعوا عن التعليق، ولكنهم سبق ان نوهوا بأن السودان قد يخرج من اتفاقية السلام إذا لم يحصل على الحصانة من قضايا الارهاب. (ملاحظة: في الاسبوع الماضي وافق الكونغرس على المطلب السوداني المذكور –
المترجم)
تبقى البحرين استثناء وحيداً بين البلدان التي تلقت عروضاً تشجيعية كجزء من اتفاقية التطبيع مع اسرائيل، ولو ان وزارة الخارجية الأميركية قد صنفت «سرايا المختار» ضمن الجماعات الإرهابية وكان جزء من السبب هو جعلها اسقاط نظام الحكم الملكي هناك هدفاً
لها.
أثار هذا مخاوف المسؤولين والمحللين من ان تعمد الولايات المتحدة الى تصنيف الثوار الحوثيين في اليمن ضمن المنظمات الارهابية لإقناع السعودية بتوقيع الاتفاق مع اسرائيل، ولكن من المشكوك فيه أن يكفي هذا التصنيف وحده لإقناع السعودية بتطبيع علاقاتها مع اسرائيل، فذوبان الجليد بين الاثنتين قد يتطلب سنوات وربما لا يحدث ابداً. الشيء المرجح بالنسبة لبايدن وبلنكن هو أنهما سيحذران من اظهار اية نوايا للتراجع عن دعم اسرائيل حتى لو لم يقرا صفقات ترامب الدبلوماسية، لأن اسرائيل هي اقوى حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتأثيرها السياسي كبير على الناخبين اليهود والمسيحيين البروتستانت الأميركيين.