علي المرهج
ظهرت فكرة «الزعيم القوي» جلية وواضحة في كتابات القوميين العرب، وهي صورة من صور الاستبداد في التراث العربي الإسلامي، وحتى المعاصر.
يرى الوردي أن المستبد يكون مستبداً، ولكنه لا يتحمل مسؤولية استبداده لوحده، بل تقع المسؤولية «على عاتق الذين أعطوه المفتاح وسهلوا له فتح الأبواب، فنيرون صار نيروناً لأن جلاوزته وجلاديه سولوا له سوء عمله وحققوا له
مايشتهي».
هؤلاء المتمجدون الذين ميزهم الكواكبي عن أصحاب المجد، فالمجدُ هو «احراز المرء مقام حب احترام في القلوب، المجد لا ينال إلّا بنوع من البذل في سبيل الجماعة «.
أما التمجد فهو - بحسب الكواكبي - «القربى من المستبد وهو أن ينال المرء جذوته من جهنم كبرياء المستبد ليحرق بها شرف الإنسانية».
المتمجدون هم الذين يحرقون شرف الإنسانية من أجل رضا المستبد! حتى جعلوا من مفهوم الأمن يبدو مناقضاً لمعناه فـ»حفظ الأمن معناه حفظ السلطان وتدعيم حكمه».
وكان الشيخ الشيخ عبدالله العلايلي قد صرح بتبنيه لهذه الفكرة بالقول:»إن تحقيق القومية العربية يحتاج إلى زعيم «قوي وعنيف» يقف وراءها. ويجب أن يكون قائدا كهذا على مستوى الظروف الثقافية لأمته، وذلك حتى يتمكن من توحيدها، كما يجب أن يكون قدوة ويمتلك الثقة في نفسه، وأن تكون له شخصية جذابة ومؤثرة في الجماهير، لأن عقل الجماهير مثل عقل الأطفال يحتاج إلى عوامل الترغيب ويتأثر بالاعتبارات
العاطفية.
وهو ذات القول الذي تبناه البعثيون أيام صدام في ترويجهم لمفاهيم مثل «القائد الضرورة» و «القائد المُلهم». واستمرت هذه النظرة في العراق بعد سقوط الصنم ليجعل أصحاب جماعات الإسلام السياسي من قادتهم «قادة ملهمين» أو أن الحتمية التاريخية قد اقتضت وجودهم، فصاروا ينظرون لهم نظرة تقديسية يصعب على المخالف لهم تغيير وجهة نظرهم أو نقد رؤى وتوجهات هؤلاء القادة، لأن الكثير من هؤلاء القادة قد صيرهم مريدوهم فوق مستوى النقد. والدليل على أن الجماهير كما قال العلايلي إن عقلها مثل عقل الأطفال تنقاد وفق عوامل الترغيب والعوامل العاطفية، هو ما نُشاهده من مظاهر تأييد الجماهير للزعيم حتى وإن نسف تاريخ حزبه بأكمله، فالمهم أن الزعيم باق، كما حصل مع صدام، حينما نسف البعث وكل قادته فصار هو «الزعيم الأوحد»، فالجماهير تصنع الطغاة، مثلما يجوز في لحظة تاريخية مُشرقة أن تكون «الجماهير أقوى من الطغاة»، وسنظل ننتظر ونعمل ونحلم بهذه اللحظة التاريخية
المشرقة.
لم تنته ولن تسقط فكرة الزعيم القوي وحلم الجماهير المغلوبة بظهوره، وهي فكرة ليست صادقة أو كاذبة، لأن صدقها أو كذبها محكوم بتطبيقها في التاريخ أو في الواقع.
حصل وسيحصل أن يخرج شخص يشارك في تغيير مصير أمة أو مجتمع، ولك في غاندي ولنكولن ومانديلا وغيرهم من الذين غيروا تاريخ مجتمعهم نحو الأفضل.
نحتاج لفهم فكرة الزعيم بوصفها رديفة للإيثار والخدمة المجتمعية، لا الغلبة والاستثار بالثروة والسلطة ونسيان الوطن ورهنه مصيره للدول الإقليمية أو للقدر.