حتى يكتمل الإصلاح لا بدّ من أدوات جديدة

آراء 2021/01/03
...

 رزق عداي 
 
 
مرت قبل أيام قليلة الذكرى الثلاثون للاعلان الرسمي لتفكك الاتحاد السوفيتي السابق، والتي مثلت واحدة من اكبر التجارب في التاريخ الانساني، وطيلة هذه السنوات الثلاثين لم تتوقف البحوث والدراسات، والندوات الفكرية، الهادفة الى مراجعة واستخلاص العبر والدروس من مسيرة، شكلت أحد التصورات التاريخية لمستقبل البشر، اضافة الى سعيها للوقوف على الاسباب، التي أوصلت هذه التجربة الى نهاية يمكن أن يقال عنها أنها من التراجيديات في التاريخ الواقعي للانسانية، ولم يقتصر الامر الذي رافق هذا الانعطاف التاريخي على تغير نمط في الحكم، او في التنظيم المجتمعي، انما حصلت انزياحات في الخطابات الفكرية والفلسفية والاجتماعية والسياسية، فالايديولوجيا التي اعتمدتها كانت تتمثل في تلاقح ما بين النظرية والممارسة، وتتسم بالشمول، وتقوم على رؤية للتاريخ
 اللاحق،
الخاصية البارزة التي ميزت انهيار تلك الدولة انه ابتدأ من هرم السلطة، ولم يتفجر ويتجسد بصيغة احتجاجات او اعتصامات او ثورة، رغم ان هناك الكثير من الامتعاض والاستياء بدر من شرائح اجتماعية، كانت تشتكي من البيروقراطية التي تفشت في مفاصل مؤسسات السلطة واركانها، ومن المبالغة في المركزية، ولكن الذي استشعر الخلل في الاداء الحكومي في شتى تجلياته، هي السلطات العليا، التي واجهت خيارين، أما الابقاء والاستمرارعلى هذا الميل والتدهور في منحنى اداء جميع المنظومات في مؤسسات الدولة، وبالتالي السقوط في قعر الهاوية، واما الخيار الآخر والذي هو في الاصلاح
 الجذري.
تحدث الرئيس الاخير للاتحاد السوفيتي السابق ميخائيل غورباتشوف في كتابه (( البيروسترويكا)) عن العلل التي اوصلت بلاده الى هذه النهاية المفجعة، وبالدرجة الاساس الى ما تعرضت له الماكنة الاقتصادية، من افراط متعدد ومتنوع في الانفاق، في التسليح العسكري الكبير، والاجتماعي منه، والانفاق الخارجي، وثبت حقائق اقتصادية تكاد تكون عابرة للأنظمة والانماط الانتاجية، تقول إن أي اقتصاد يغيب عنه التراكم، والنمو وتنشيط الاستثمار، ويتضاعف فيه الانفاق، سيكون ماله الضعف والخواء، مثلما تعرضت له الخزينة السوفيتية آنذاك، اما الاداة الحقيقية للاصلاح التي اكد عليه -غورباتشوف - فهي اعادة بناء انسان جديد يتفهم ضرورة الاصلاح مع صياغة اخرى لحقوقه وواجباته، مع نبذ لقواعد السلوك القديمة، ونزع ما استقر بها من سلبية وفساد، الذين علقوا على انزلاق الاتحاد السوفيتي السابق لاحقاَ، اشار الكثير منهم الى انه لم يتمكن من تغير الادوات القديمة في مشروعه الاصلاحي، التي كانت سببا في الاخفاق في التجربة السوفيتية الرائدة، واذا ما قورنت مع النموذج الصيني الذي تزامن معها، فقد كانت الاخيرة اكثر مرونة وجذرية، في اقتران الاصلاح مع تغير الادوات التي دشن بها تجربته، 
في حالة العراق، حتى تحقق الورقة البيضاء التي قدمتها الحكومة كمشروع اصلاح، وقانون موازنة ستراتيجي بعيد المدى ولأكثر من سنة، على الحكومة ان تستبدل الادوات القديمة باخرى جديدة، وهذا هو الشرط الاساسي للاصلاح 
الجذري.