الحل في الأمانة

آراء 2021/01/03
...

  د. صادق كاظم 
 
 
يتذكر العراقيون بإعجاب شخصية أول وزير مالية في الدولة العراقية الحديثة، التي تشكلت في العام 1921 ساسون حسقيل الذي تمكن من ادارة ميزانية الحكومة بشكل ناجح ودقيق اعتمدت على الموازنة بين معدلات الايرادات والانفاق والحرص على المال العام ومنع اهداره بأي شكل من الاشكال، حتى أنه رفض ذات مرة منح الملك فيصل الاول قرضا بسيطا بسبب انه لا يوجد بند في الموازنة يسمح بذلك، اضافة الى ذلك فإنه نجح في ادارة المفاوضات مع الشركات النفطية العاملة في البلاد مصرا على دفع مستحقات البلاد المالية، التي بذمة الشركات بالجنيه الذهبي مما وفر للعراق لاحقا أموالا 
كثيرة.
السياسة المالية للبلاد وبعد العام 2003 وللاسف الشديد اتجهت صوب الانفاق الواسع بحجة تمويل المشاريع ورفع معدلات الاجور وزيادة نسبة التوظيف وبشكل غير مدروس، فضلا عن مخصصات فلكية لمسؤولي الحكومة وكبار موظفيها ارهقت الميزانية كثيرا وكانت منفذا للفساد وضياع المال العام، كل هذه السياسات المالية التي تقوم على الانفاق والبذخ والإهدار والتوسع في الانفاق ومعدلات الأجور، كانت نتيجة للوفورات المالية الناتجة عن ارتفاع معدلات أسعار النفط في ذلك الوقت والتي قادتنا اليوم الى ما نعانيه من ازمات مالية صعبة ومعقدة دفعت نحو التقشف وتقنين الاجور.
 الفساد ورواتب الفضائيين ومزدوجي الراتب والمخصصات الضخمة لمسؤولي الدولة وبعض الوزارات عناوين لازمة مالية، ستبقى مستمرة وستتسبب في نزيف مالي لن يتوقف، اضافة الى أنه سيعمق من جراح الازمة، خصوصا أن الازمة باتت تحتاج الى حلول حاسمة والى مراجعة للطرق السابقة والى استرد، التي عانت الدولة سابقا من صعوبة في السيطرة عليها والتي منها موارد المنافذ الحدودية واموال الضرائب والجبايات الحكومية، اضافة الى فتح ملفات الفساد واسترداد الاموال المسروقة واعادة النظر بهيكلية واوضاع اجهزة مكافحة الفساد المتعددة، التي لم تنجح في الحد من الظاهرة وتقنينها.
الأزمة المالية بالرغم من حاجتها اليوم الى حسقيل آخر بنزاهته وامانته، لكنها بحاجة ايضا الى رجال دولة شرفاء، فالعيب ليس في قلة المال، بل في امانات الرجال كما يقول المثل بذلك.