كاظم لفتة جبر
كل أمة تعرف بحضارتها قديماً، اما الآن فتعرف الأمم بسياستها وتقدمها العلمي، فكل أمة أو مجتمع أو فرد يخضع إلى مجموعة من الأفكار الايديولوجية، التي تسهم في رفد توجهاتهم السياسية، الفرد نواة المجتمع، وهو قد يكون القائد بالوقت نفسه، فتخضع الجماعة للفرد وأفكاره الأيديولوجية بوصفه قائداً، أو خضوع الوطنية إلى الافكار المذهبية، او خضوع الدولة إلى فرد أو مجموعة معينة، إنَّ عملية البناء السياسي ليست كبناء البيت إذا تعتمد على اساس، فالسياسة تعتمد في أساسها على المصالح وهي نسبية غير ثابتة، تتبدل مع تبديل الشخوص وأهدافها، فالسياسة زائفة من دون أن تكون لها نتائج على الواقع، والسياسة الناجحة ليست بأشخاصها ومن يديرها، بل ما يقدمه هؤلاء الأشخاص إلى المجتمع وبلدانهم. في السياسة الزائفة يكون الأشخاص فيها نكرة، والمعلوم فيها الأفكار اي الايديولوجيات التي تواجههم، ان دائرة الوعي السياسي غير متناهية لأنها لا تلتصق بالأشخاص، وإنما بالأفعال والنتائج النفعية التي تختصر معنى الوعي السياسي، فالسياسي الناجح هو الذي يعرف كيف يدير مصالح وطنه، وفق سياسة مباريات كرة القدم الاهداف تحدث فيها عند وقوع الخصم بالخطأ، فالدول تدرك وعيها السياسي من خلال الأهداف وستراتيجيات وخطط لإدارة البلد، إلا في العراق نجد أن الفعل والوعي السياسي يلتصقان بالأشخاص وافعالهم وطرقهم الخاصة لإدارة الجماعة ومحاولة فرض سياسة تلك الجماعة على المجتمع بأكمله، لو بحثنا عن وطن وعن وعي سياسي في بلدنا، لا نجد سوى سياسة الجماعات، واختزال مهمة الدولة على التعاملات الخارجية، حيث لا قانون إلا قانون الجماعة ولا طريقة للدولة سوى طريقة الجماعة ولا أهداف للدولة سوى اهداف الجماعة ومصالحهم. فالوطن قد اختزل بالجماعة وايديولوجياتها، وكأنما نعيش في العصور الوسطى القيم التي يعتمدها المجتمع ترفدها الاسطورة والخرافة، وجماعات متوحشة تريد فرض قوتها على المجتمع، الديمقراطية التي دشنها الغرب لا تصلح لمجتمعنا، لأن لكل مجتمع هنالك عدة عوامل تكون وعيهم السياسي، ففي العراق نجد القبيلة، والمذهبية الدينية، والجماعات النفعية، هي أسس تكوين الوعي السياسي، الديمقراطية تحتاج الى مجتمع ذي ثقافة إنسانية وعلمية لتطبيقها، وليس مجتمعاً تهفو به رياح الأفكار من كل جانب، ففساد الوعي السياسي هو الذي يؤدي إلى فساد الدولة في كل نشاطاتها وخططها، ما نحتاجه اليوم هو الثقافة السياسية وليس الثرثرة السياسية، التي يولدها التذمر من فعل ما، وفي وقت ما، لا نحتاج أن نقارن مجتمعنا بالمجتمعات الأخرى، فالقوانين السياسية ليست ثيابا أو موضة نستعيرها من الأخر او نتأثر بها، بل نحتاج لدراسة وتجديد المجتمع السياسي ومعالجته وبث به الروح الوطنية الخالصة، واستبعاد السياسات الورقية الزائفة.