د. كريم شغيدل
في مئوية الجيش العراقي نكون قد وقفنا على تاريخ قرن كامل بكل ما فيه من أحداث وتحولات، فمنذ السادس من كانون الثاني 1921 حتى يومنا هذا يمرَّ قرن بأكمله على تأسيس المؤسسة العسكرية العراقية، وطبعاً العراق لم يخلُ قبل ذلك من الجيوش النظامية منذ العصر الآشوري مروراً بالعصور الإسلامية وعصور الاحتلال، ومنذ أول محاولة انقلابية ربما في الشرق في العام 1936 والجيش العراقي، يمتلك زمام المبادرة، وقد حاول بعض السياسيين تسييسه من دون جدوى، وكان بإمكان هذه المؤسسة أن تحافظ على استقلاليتها ومهنيتها لولا خضوع بعض القيادات لبعض الإرادات السياسية، وقد مرَّ جيشنا بأسوأ الظروف، حين زج به في حروب طاحنة لم تحقق سوى الدمار، بل إنها أضعفته وهدت بناه التحتية ودمرت إمكاناته التسليحية، لا سيما في حرب الخليج الثانية، ثم جاء قرار الحاكم المدني لسلطة الاحتلال بحل الجيش العراقي لينقض على آخر أمل لنا في هذه المؤسسة العريقة.
لكن وكعادته عاد الجيش العراقي كالعنقاء تبعث من رماد كما تقول الأسطورة، لينهض من جديد في ظرف حالك بمواجهة عصابات داعش، ويسجل للتاريخ أروع الملاحم البطولية وتطهير أرض العراق من دنس الأوباش، الآن وقد أشعرتنا الظروف العصيبة بأهمية إعادة بناء المؤسسة العسكرية صار لزاماً على الدولة أن تضع في أولوياتها ضرورة البناء التقني المتطور، لا لشن الحروب الخاسرة كما في الماضي القريب، وإنما لحماية حياض الوطن من الأخطار المحدقة به، وأن نحافظ على وفق الدستور على استقلاليته ومهنيته بعيداً عن المصالح السياسية والجهوية الضيقة.
قرن من الحروب وحتى اليوم لم يسترح الجندي العراقي ليسترد أنفاسه، منذ حروب العرب والجيران وألخوة إلى الحرب ضد الإرهاب، قرن من الانقلابات، والبطولات والخسائر، والعبرة ليست بالحروب ولا بالعدد ولكن بمدى القدرة التقنية، التي تساعد في حماية حدودنا ومدننا الآمنة من موجات التطرف والإرهاب، وبرغم التاريخ الشائك فإن من حقنا أن نفخر برمزية قواتنا المسلحة البطلة بكل صنوفها، وأن نعد يوم تأسيس فوج موسى الكاظم يوماً وطنياً راسخاً في الذاكرة، يجمع العراقيين من مختلف أطيافهم.