سعد العبيدي
تأسس الجيش العراقي مع تأسيس الدولة العراقية الحديثة، بدأت أولى خطواته على يد ضباط تعلموا وخدموا في الجيش العثماني، فنقلوا لجيشهم الجديد انضباط العسكرية العثمانية، وأشرف على تأسيسه الانجليز، فأخذوا من مدرستهم العسكرية المعروفة معايير التعبئة الحديثة وفنون القتال
وهكذا حافظوا عليها معايير وقيم وعلى الضبط والالتزام ومناحي الابتعاد عن التدخل بالسياسة، لفترة زمنية طويلة مثل فيها الجيش صورة الوطن، الذي يجمع في بنيته والوحدات التابعة له كل أطياف الشعب العراقي وأبنائه من الشمال الى الجنوب، مدرسة تعلم الإخلاص للوطن والوفاء لأهل البلاد، أدى المهام المكلف بها داخل البلاد وخارجها بأمانة عالية وحيادية معروفة، شهد له فيها الأبناء والمراقبون حتى عدَّ ولفترة طويلة من الزمان من بين الجيوش الأحدث والأقوى في المنطقة.
لقد حافظ الجيش العراقي على قدراته وانضباطه والى حين دخول السياسة بنيته الهيكلية، بعد ثورات عدّة أقحمه فيها ضباط أخذوا من الحزبية الثورية نهجاً للتفرد والسيطرة أصابته بداء الانحراف القيمي الحزبي، خاصة بعد العام ١٩٦٨ عندما دفع به النظام القائم آنذاك الى ما سمي في حينه خطى التبعيث.
التبعيث داءٌ، صار فيه الضابط الأدنى مسؤولاً حزبياً عن الضابط الأعلى، وصار بعض ضابط الصف مسؤولين عن ضباط في وحداتهم، وصار التنفيذ للقرار الحزبي قبل العسكري، نقل الحزبيون من الضباط وضباط صف فلسفة الانضباط الحزبي (نفذ ثم ناقش) واتجاهات النقد والنقد الذاتي، والاستعداد لعصيان الأمر العسكري في حال عدم توافقه مع أهداف الحزب، نقلوها الى بنية الجيش القائمة على انضباط صارم وسلسلة قيادة وسيطرة لا جدال فيها، فأسهموا في تصدع تلك البنية تصدعاً كان واضحاً في الأداء خلال الحرب الأخيرة التي أقحم فيها مع الحلفاء.
لقد انتهت مرحلة التحزب والتبعيث مع نهاية حكم حزب البعث للعراق عام ٢٠٠٣، وبدأت مرحلة جديدة من تاريخ هذا الجيش العريق، وهي وإن لم تكن مرحلة طويلة، كالتي سبقتها لكنها مليئة بالدروس والعبر، أهمها ان هذا الجيش هو القاسم المشترك لأهل العراق، وهو الصورة الناصعة للوطن العزيز، بقاؤه ووحدته بقاء للوطن، واستمراره جيشاً قوياً ضمانة لتحقيق الديمقراطية وحمايتها من الانحراف.