وداعاً.. وداعاً

ثقافة 2021/01/06
...

د. جاسم حسين الخالدي
 
لم يكن (ألفريد سمعان) أديبًا فحسب؛ بل كان سياسيّا ومناضلًا، اكتوى بنار السلطات، وتعرض إلى الاعتقال مرات كثيرة، وعُرف بعناده وصبره في مقارعة السلطات السياسية المختلفة، فقد رفع صوته عاليّا بمعية مثقفين كثيرين كانوا ينادون بالحرية والاستقلال السياسي بعيدًا عن هيمنة القوى الامبريالية التي تريد أن تُبقى البلاد رهينة لها.
لذلك فإن الكتابة عنه تبقى غير مكتملة من دون معرفة الدور الوطني  الذي اضطلع به، كما أن دراسته للحقوق وتخصصه به، وعمله في المحاماة كان مهمًا في الاضطلاع بهذا الدور التي تعاظم في أوقات طويلة من عمره المديد الذي تجاوز التسعين بثلاث سنوات، هذا العمر الطويل نسبيًا الذي ملأه بالعمل النقابي في السنوات الاخيرة من عمره حتى انتخابات ما قبل الاخيرة للاتحاد العام للأدباء والكتاب التي اشترك فيها وحقق نسبة أصوات جيدة، ولكنه وجد من المفيد ان يستريح من بعد عمل دؤوب اجتهد فيه في بناء صرح الاتحاد بعد عام 2003م، ونجح في حصد الاصوات الكثيرة التي أهلته ليكون أمينا للاتحاد لدورتين. وحافظ على وجود الاتحاد في المدة العصيبة التي مر بها العراق بين أعوام 2005 و2007م.
لقد كان من حسن حظنا أن عملنا معه في رابطة النقاد العراقيين ووجدنا مقدار حرصه على أنشطة الاتحاد الثقافيّة، اذ كان يحضر كل الانشطة التي قمنا بها، أو التي كانت تقوم بها الاندية المنضوية تحت لواء الاتحاد.
ولذلك بقي اسمه حاضرًا في أروقة الاتحاد على الرغم من تقاعده العمل النقابي إذ خُصص له مكتب مستقل فيه، لكنه آثر الهجرة إلى الاردن ليلتحق بأسرته هناك.
أما الحديث عنه بوصفه أديبا فقد كان الفريد سمعان شاعرًا مهما، كثيرًا ما يفتخر بأنّه كان مقربًا من السياب وزملائه الشعراء التقدميين، وانه من مواليد شعراء الشعر الحر، فهو من مواليد الموصل عام 1928، وإنه ركب قطار الحداثة في كتابة الشعر الحر،  مثلما ركب قطار الموت من دون موت، وخلف تراثا شعريّا واسعًا من مثل: في طريق الى الحياة، وقسم، ورماد التوهج، وكلمات مضيئة، وطوفان، وأغنيات للمعركة، وعندما ترحل النجوم، وغيرها الكثير، كما أنَّه كتب في المسرح (الحطاب والأسد) و(ليمونة)، مثلما كتب في القصة (الجمعة الحزينة) فضلًا عن جهوده في ميادين أخرى، ولا سيما تلك التي تتعلق بالجانب السياسي والحزبي.
لقد نال شعره عناية نقاد كبار وشعراء كثيرين، منهم علي جواد الطاهر، وبلند الحيدري، فضلًا عن رسالة ماجستير كتبها الشاعر عمر السراي، تحت عنوان الهوية في شعر ألفريد سمعان،  فضلًا عن كتاب نقدي للناقد علوان السلوان.
لقد حمل شعره جانبا تحريضيّا؛ ولا سيما السياسي منه، فهو كثيرا ما يوجه خطابه الشعري إلى عامة الناس؛ لأن الواقع والحياة بعنوانها العريض هي التي تثيره فيحولها الى قصائد تقطر مشاعر واحساسات.
لقد حلم سمعان بحياة حرة ووطن سعيد، خالٍ من السجون والمعتقلات، يتنفس فيه العراقيون هواء الحرية بأجواء آمنة بعيدة عن الإرهاب والقتل، وقد عبر عن ذلك شعرًا، حين قال:
لا أدري كيف غادرت
أعشاشها هذه النجوم
ولا كيف مضت.. لعلها سارت
مع قافلة.. مع الغيوم
لعالم 
لا صوت فيه للإرهاب.
لكنه للأسف الشديد، بقي ينشد الأمن ولم يقطفه، ويحاصره الإرهاب، فإذا ما تمكن من ضرب بغداد في قلبها، فإنه بقي مواصلًا عمله في أحلك أوقات الارهاب من دون ان يرتجف له قلب.
ها نحن – اليوم- نودع هذا التاريخ الذي يمشي على قدمين، إنما نودع رمزًا وطنيا وشاعر موهوبا، وكاتبا كانت كلماته سيوفا صارمة في وجه أعداء الحياة.