سمعان والتعب المسافر

ثقافة 2021/01/06
...

بغداد: الصباح
 
شكل رحيل الشاعر القدير، ألفريد سمعان، صدمة كبيرة في الوسط الثقافي، الذي يواصل لغاية اللحظة الكثير من أدبائه ومثقفيه ومفكريه نعيه والحديث عن رحيله بوصفه «الشاعر والمناضل والمثقف» الذي عاش حقبة مهمة من تاريخ العراق وتعرّض للسجن بسبب «مواقفه المبدئية».
وكان سمعان قد رحل الثلاثاء 5/ كانون الثاني الحالي عن عمر ناهز الـ 92 عاماً في العاصمة الأردنية عمّان، بعد مسيرة حافلة بالإبداع والمنجزات. 
ونعى القدير سمعان العديد من كبار المسؤولين السياسيين والمثقفين والأدباء الفنانين العراقيين والعرب، الذين أعربوا عن حزنهم الشديد لفقدانه. 
ووجّه رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح، برقية تعزية إلى الأوساط الثقافية وأسرة الشاعر الكبير ألفريد سمعان، قال فيها «تلقينا بألم بالغ رحيل الشاعر والكاتب الكبير ألفريد سمعان بعد مسيرة طويلة حافلة بالإبداع كان فيها أحد أبرز المساهمين في المشهد الشعري العراقي، ومثّلت نتاجاته صوتاً وطنياً معبراً عن هموم الوطن وشعبه، وبوفاته تفقد الساحة الأدبية واحداً من أعمدتها الأصيلة.. أعزي الشعب العراقي والأوساط الثقافية برحيل الفقيد، ولأسرته ومحبيه جميل الصبر والسلوان، ولروحه الرحمة». 
كما نعى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الشاعر العراقي، الفريد سمعان، وقال «تلقينا بألم بالغ، نبأ رحيل الأستاذ، الفريد سمعان، الذي أمضى عمره حاملاً لمبادئ الحرية والكرامة والعدالة، لقد فقد العراق نخلة شامخة من نخيله الباسقات، غرست فسائلَ ستُزهر إبداعًا ووطنية ونضالاً.. الرحمة للفقيد، والعزاء لكل من عرفه ولمس مواقفه الراسخة بالمحبة والنبل والإنسانية».
وُلد ألفريد سمعان حنا المقدسي في الموصل، عام 1928 في أسرة مسيحية كاثوليكية. تنقل في طفولته في شتى أرجاء العراق بحكم وظيفة والده الذي كان يعمل ضابط جوازات ويتقن الإنكليزية والألمانية. 
سكن طفلاً مع أسرته في البصرة ونشأ فيها ودرس الابتدائية وأنهى الاعدادية ثم انتقل إلى سوريا لدراسة القانون، ثم عاد إلى بغداد ملتحقاً بكلية القانون، تخرج في كلية الحقوق 1961 على رغم اعتقاله لنشاطه اليساري، وحصل على شهادة دبلوم في التخطيط من معهد الأمم المتحدة بدمشق 1971. مارس العمل الصحفي في عدة جرائد منذ عام 1952 في مجالي الأدب والرياضة والعمل الوظيفي في وزارة التجارة. وتوجه للتجارة العامة. وقد كان مسؤولاً عن الفرقة الفنية للحزب الشيوعي في السبعينيات. 
كانت له نشاطات سياسية وانتمى إلى الحزب الشيوعي العراقي وسجن أكثر من مرة أولها 1948 وآخرها 1963. مارس المحاماة منذ 1977. شارك في العديد من المؤتمرات الأدبية والنشاطات الفنية والاجتماعية في دمشق وبغداد وليبيا. أسهم في تأسيس اتحاد الادباء والكتاب في العراق مع محمد مهدي الجواهري عام 1958، وأسهم خلال سبعينيات القرن العشرين في إعادة افتتاح الاتحاد، كما شارك في افتتاح مقره بعد 2003 وتولى منصب الأمين العام للاتحاد بعد 2003. 
بدأت رحلته الثقافية عندما انتقل للدراسة الثانوية في البصرة التي كانت أجواؤها الاجتماعية منفتحة تساعد على احتضان المسيرة الثقافية المواكبة للبريكان وغيره من المهتمين بالأدب والثقافة. 
كان سمعان يقرأ ويتابع بشغف حتى أنه شارك في (مجلتي الرسالة والثقافة المصريتين وصحف ومجلات عديدة كالصباح والكواكب، وبعض المجلات العراقية منها الهاتف والنادي).
 وبسبب شغفه بالصحافة قام بالتسجيل في مدرسة الجواهري الصحفية التي كانت بالمراسلة آنذاك، إذ حظيت بعض قصائده بالقبول، فدفعه هذا الأمر إلى مواصلة الكتابة الأدبية، والتي يقول عنها الراحل في حوار صحفي سابق له: «بعض قصائدي كانت مقبولة مما شجعني على المضي في الرحلة الأدبية المتعبة اللذيذة». 
أصدر الشاعر سمعان حتى الآن، أكثر من عشرين مجموعة شعرية، من قصائده الأولى: (الحب الأول) و(القبلة الاولى)، وقصيدة (جميلة) التي يقول فيها:  
(يا جميلة ألف مرحى
صارت الحبة قمحا
 وارتقى المشلول سفحا). 
 وكذلك قصيدة (سليني) ويقول في بعض منها: 
(سليني كيف تنتصر الشعوب
 ويقصي عن مواطننا غريب
 ويبسم عن سواد الليل فجر
 شفيف النور ليس له نضوب
 نبذت الحب لن أبغي حبيباً
 فكل مناضلِ عندي حبيب). 
ومن دواوينه الشعرية: في طريق الحياة 1952، قسم 1954، رماد الوهج 1957، كلمات مضيئة 1960، طوفان 1962، أغنيات للمعركة 1968، عندما ترحل النجوم 1971، الربان 1976، مراحل في درب 
الآلام 1974، 21 شروق، أشرعة الصدى البعيد، التعب المسافر، ليمونة (مسرحية شعرية)، كما أن من مؤلفاته أيضا دراسة اقتصادية في صناعة السكر في العراق، وكذلك مع المسيرة الثورية.. الخطوات 
الاولى. 
أما عن ذكرياته في الوسط الثقافي فقد تحدث يوماً عن لسان الشاعر عمر السراي «كنّا نستحي من الجلوس أمام الجواهري، لذلك نظل واقفين إلى أن يمرَّ مهابةً 
وإجلالا».
كان لشعر ألفريد سمعان علاقة وثيقة بمجريات حياته وما عاشه من ظروف وعلاقات، كما قال سابقاً: «لذلك لا أستطيع أن أتحدث عن قصائدي ومجموعاتي الشعرية بمعزل عن هذه الظروف والعلاقات».
وللراحل عدد من مجاميع قصصية أبرزها (الجمعة الحزينة)، ومن قصصه القصيرة جدا، قصة «حيرة» يقول فيها: (انها تسترجع ذكريات الماضي كيف استطاع زوجها بواسطة شقيقته أن يختطفها ويتزوجها.. لم تكن مقتنعة به إنها جميلة بالشكل والعفة والنضارة ما يجعلها هدفاً مثيراً للعيون والشجون والآمال، جمالها الأخاذ يستوقف الخطى ويستفز المشاعر والرغبات ويرغم حتى البلهاء على التحديق في ترانيم خدودها ويتابع خطاها لقد رحل ابو اولادها.. أليس من حقها ان تعوض ما فاتها.. ذلك ما كانت تفكر به.
وكذلك قصة «كرامة» إذ يقول: (شعر ان المواد الغذائية بدأت تشح وهو سجين سياسي ويتقاضى عشرة سكائر يومياً مع عشرة فلوس لكي يشرب الشاي.. كان يفكر كيف يسهم في معالجة النقص الحاصل في المخزن.. عندما قصده المسؤول أخبره بأنه ترك التدخين.. فباركه المسؤول على ذلك وعندما أراد ان يعطيه قيمة الشاي قال إنه ترك الشاي ايضاً.. لكنه لم يقل 
لماذا؟).