موجة جديدة جريئة من كتاب روايات الغرائب والخيال العلمي

ثقافة 2021/01/06
...

ايد باور- صحيفة الاندبندنت البريطانية
  ترجمة: مي اسماعيل
بدأت روايات مشهورة مثل "لعبة العروش-Game of Thrones " و"سيد الخواتم-Lord of the Rings " تفسح مجالا لأعمال تكتبها النساء وكتاب ملونون وغرباء الأطباع. وقد تحدث كاتب المقال الى عددٍ من أولئك الكتاب الجدد.. 
 
في الأول من شهر آب الماضي اذيع حفل توزيع جوائز "هوغو لقصص الغرائب والخيال العلمي"، ونالت الشابة الصينية- الاميركية "ريبيكا كوانج-Rebecca Kuang" (24 عاما) الجائزة المرموقة بصفتها أفضل كاتبة جديدة. طُلب من المرشحين تسجيل خطاب قصير مسبقا (في حال فوزهم)؛ ورن صدى كلمات كوانج العاطفية دونما تردد في ذلك المحفل الذي يوازي جائزة الاوسكار الفنية قيمة: "لو كنت أخاطب كاتباً جديداً دخل لهذا النمط الأدبي سنة 2020 لقلت: "إذا كنتَ شخصاً ملوناً فلن يُدفع لك إلا جزءٌ بسيطٌ من الدفعة المقدمة التي يتسلمها الكتّاب البيض؛ إذ سيتم تحجيمك، وتصنيفك بشكل خاطئ، وتجميعك مع مؤلفين ملونين آخرين لا يشبه عملهم عملك ولو قليلاً. وغالباً ستتعرض للتحرش في المؤتمرات أو تكون هدفاً للانتقاص العنصري البسيط.. أو تواجه العنصرية عموماً".
تشعر كوانج اليوم بالأسف على خطابها الذي تعد أنَّه كان "متشائماً للغاية"؛ إذ كتبته وهي تستشعر التاريخ "الملون" للجائزة المرموقة، التي كانت سابقاً تحمل اسم محرر كتب الخيال العلمي في عصرها الذهبي "جون كامبيل"، حتى تصاعد اللغط عن آرائه العنصريَّة والجنسيَّة. تمضي كوانج قائلة: "أنهيت حديثي بالقول إنني ربما لم أكن لأدخل عالم النشر لو كنتُ أعرف بوجود كل تلك العوائق؛ بينما كان علي إدراج جميع الأسباب التي جعلتني أبقى.. ومنها وجود الكثير من الناس الرائعين الذين يبحثون بجدية عن كُتّاب مهمشين ويحاولون الترويج لأعمالهم.. هناك تقدم رائع في العمل، وأعتقد أنه كان عليَّ الاعتراف بذلك..".
 
مجال قاحل للنساء
مع أنَّ روايات الغرائب "fantasy" تحظى بانتشار يفوق عموماً أنواعاً أدبيَّة أخرى؛ فما زال أمامها (كما تقول كوانج) مسار تقطعه من حيث التعددية. لكن هذا النوع تقدم كثيراً دونما شك منذ العقد الماضي؛ فهو أسلوب أدبي كان محتكراً تاريخياً للرجال البيض من أمثال- "روبرت هاوارد" مؤلف "كونان البربري"، و"ج. ج. تولكين" مؤلف "سيد الخواتم" و"روبرت جوردان" مؤلف "عجلة الزمن" و"جورج مارتين" صاحب "لعبة العروش". رغم ذلك كانت هناك دائماً نساء في ذلك النوع الادبي؛ لكنهن أُجبرن على المكوث في الهوامش عدا استثناءات قليلة؛ منهن- "أورسولا كروبر لي غوين".. لم يجر أدراج أسماء العديد من المؤلفات في خانة الكتب التي.. "يجب على الجمهور قراءتها".. أما "ج. ك. رولينز" مؤلفة سلسلة "هاري بوتر" فقد جرى اعتبارها مؤلفة قصص للأطفال. كذلك كان الحال بالنسبة للمؤلفين من الأقليات، الذين لم ينالوا حظاً بالحصول على صفقة أدبية جيدة لنشر أعمالهم إلا نادراً. هذا النمط بدأ بالتغير مؤخراً، ولعلَّ الكاتبة الاشهر في ساحة كتب الغرائب والخيال العلمي اليوم هي الأميركية- الافريقية "نورا كي. جيميسين" التي تستخدم اسلوبا مجازياً ذا منظار يائس لاستكشاف قضايا العرق والجنس والبيئة في ثلاثيتها "الأرض المكسورة". وأعطت قائمة مجلة "تايم" لأفضل مئة رواية غرائب على الإطلاق الاولوية لكُتّاب جدد مثل "كوانج" (التي لها كتابين في القائمة) أكثر من "روبرت جوردان" و"جورج مارتين".
حازت كوانج شهرة كبيرة بثلاثية بدأت سنة 2018 برواية "حرب الخشخاش-The Poppy War"، التي تدور احداثها ضمن إعادة تصور ملحمية للصين القديمة. تستلهم كوانج كتبها من أحداث تاريخيَّة حقيقيَّة مثل حروب الأفيون ومجزرة نانجنغ؛ لكنها تتجول بفخر وبلا خجل في بيئة الخيال؛ فهناك نظام سحري معقد ومشاهد حركة متألقة تنافس أهم الروايات الشهيرة.
تقول كوانج: "نشأت وأنا أقرأ الكثير من كتب الغرائب، وأعتبرتُ أن من المسلم به كون جميع الشخصيات التي قرأت عنها هم أشخاص بيض؛ كما أن من المسلم به أن لي خيارات محدودة من ملابس الحفلات التنكرية؛ اي- شخصية صينية.. معتبرةً أن من الطبيعي كوني واحدة من قلائل الطلاب الصينيين- الأميركان في مدرستي".
 
"الآخرون"
هذا التحيز التاريخي ضد الكتاّب الملونين كان أحد الأسباب التي دفعت الكاتب ذا البشرة السوداء "ايفان وينتر" (الذي ولد في لندن ونشأ في زامبيا) ليتكفل بطبع روايته الأولى "غضب التنانين-The Rage of Dragons" سنة 2017؛ وهي رواية فانتازيا واسعة الافق، حافلة بالأبطال الشجعان والوحوش والصراعات بمقياس كبير. وكان اختلافها عن المألوف أن مسرحها لم يكن تنويعا لأجواء العصور الوسطى في أوروبا ولكن في إفريقيا ما قبل الصناعة. أصبحت الرواية قصة نجاح تناقلتها الألسن، وتلاقفها الناشرون المعتادون. لكن وينتر يشعر أنَّ الكتاب كان سيتم إغفاله لو لم يقم هو أولاً بعرض وجوده على جمهور واسع محتمل، قائلاً: "لم أُصدق أنَّ مؤسسة النشر التقليدية كانت ستهتم بملحمة غرائبية تركز على اناسٍ سود".
في القصص الخيالية الكبيرة دُفعت الأقليات جانبا لا محالة واعتُبرت على أنها "الآخرون".. هذا ما جرى في ملحمة "سيد الخواتم" حينما ظهرت أقوام الايسترلينغ السمر بشكل حشود بربرية تحالفت مع الشرير ساورون، وحتى في سلسلة "لعبة العروش" الأحدث ظهورا كانت قارة ايسوس الشرقية مكانا غامضا يسكنه سكان غرباء مؤمنون بالخرافات.
تقول الكاتبة "تاشا سوري" (ذات الاصول الهندية. المترجمة): "من المحبط أن أرى أشخاصًا مثلي يُنظر اليهم فقط على أنهم أشرار من الإمبراطورية المظللة في "الجنوب" أو "الشرق".. تحديدا..". استلت الكاتبة اللندنية في ثلاثية "الممالك الملتهبة-Burning Kingdoms" من تراثها الهندي وأساطير جنوب آسيا الغنية الملونة. وتمضي قائلة: "نشأت من دون أنْ أرى 
أشخاصاً مثلي في أي مكان؛ سوى ربما في بعض البرامج الكوميدية. وكانت الروايات الخيالية على ذات السياق؛ لذا ولفترة طويلة كنت أتقبل أنَّ هذا أمر طبيعي؛ حتى وإنْ لم أكن أحبه. لقد أحببت الخيال رغم عيوبه: لإبداعه وإمكانياته وسحره المطلق؛ لكن العالم تغير منذ ذلك الحين، وتغيرت مشاعري أيضا. أُريدُ من الخيال ما هو أفضل وأكثر تنوعاً، بقدر ما اريدُ الأفضل من كل شيء آخر". 
تقول الكاتبة "سمانثا شانون"، التي واجهت الاستعمار الأوروبي بمسلسلها "موسم العظام-Bone Season"، وقلبت في روايتها "دير شجرة البرتقال-The Priory of the Orange Tree" عام 2019 جنس شخوص قصة "القديس جورج والتنين": "لطالما كان للخيال مشكلة مع مركزية الأنجلوفونية و"الآخرون" وغرائبية أي شيء آخر عدا إنكلترا في العصور الوسطى، وفي الواقع لا يتعلق الأمر بانكلترا خلال العصور الوسطى، بل أسطورة عن إنكلترا في العصور الوسطى.. مكان لم يوجد فعلياً أبداً. أعتقد أنَّ الطريقة الأبسط لحل هذا الأمر سيكون قيام الناشرين ليس فقط بتوظيف التنوع؛ بل ضمان إعطاء مساحة لمؤلفين من خلفيات متنوعة، والأهم- الدعم الداخلي؛ ليتمكن هؤلاء من سرد قصصهم لأوسع جمهور ممكن".
أفق تعددي أوسع
تجدر الإشارة هنا الى أنَّ الجيل الجديد من المؤلفين لا يحاول هدم روايات الخيال وإقامة شيء بديل؛ فهم يحبون الخيال؛ لكنهم يشعرون فقط أنَّ هناك مساحة لمجموعة أوسع من القصص والأبطال، ولكُتابٍ لا ينتمون لخانة الرجال البيض متوسطي العمر من بريطانيا أو أميركا. تمضي شانون قائلة: "حينما كتبتُ رواية "دير شجرة البرتقال"، كنت قد انطلقتُ لتأليف ملحمة "كلاسيكية" تحفل بالأدوات السحرية، مثل السيف السحري وشر يتحرك عميقاً؛ لكنْ من دون بطل "كلاسيكي". كان جزءٌ من إلهامي رؤيتي لتقديم المخرج "جاكسون" لرواية "سيد الخواتم" على الشاشة، إذ قامت نساء بتحدي الشر؛ وكانت تلك المرة الأولى التي أرى امرأة بهذه القوة في ملاحم الغرائب. وعندما بحثت عن المشهد في الرواية؛ وجدت رجلاً في تلك الشخصية. كانت تلك المرة الأولى التي أدركتُ فيها أنَّ الخيال قد لا يتعاطف معي؛ فتركت قراءة تلك الروايات لسنوات، وفاتتني أعمال كانت ستنير بصيرتي. وحينما صرتُ أكبر عزمت على كتابة ملحمة عن شخصيتي في الصغر، وعن كل من أحبوا أدب الخيال وشعروا أنَّ الصنف الذي أحبوه لن يُفسح لهم مجالا ((في النشر))". 
للمفارقة، تزامنت النظرة المستقبلية المتغيرة الى أدب الخيال مع نشر مجموعة "لعبة العروش" وتحويلها لاحقاً الى عمل تلفزيوني. ورغم ازدحامها بالشخصيات النسائية البارزة، بقي منظور الأحداث مطروحاً من وجهة النظر الرجالية الى تلك الأحداث، كما ترى شانون. أما "ج. ج. تولكين" مؤلف "سيد الخواتم" فقد سبق عصره بالحزن على الدمار الذي لحق بالعالم الطبيعي، وحفلت أعماله بموضوعات عن الطبيعة والجمال وتخريب هذا العالم؛ لذا توجد مشاهد حزينة كثيرة هناك.
حتى وإنْ كان أدب الخيال في موقع أفضل اليوم من حيث التنوع؛ فما زال بحاجة لفضاء أوسع، كما ترى ربيكا كوانج: "حينما بعت روايتي "حرب الخشخاش" عام 2015 لم يكن هناك سوى ثلاثة أو أربعة كتاب من أصول صينية-أميركية.. وهذا عدد قليل بالمنظور الرقمي. لكن أدب الخيال شهد تحولات نوعية من حيث نيل الجوائز وسعة النشر. وكلما أثبتت تلك الكتب نجاحها واستقطبت جمهورا؛ سيُقدم الناشرون على إعطاء فرصٍ أكثر لكتاب من الأقليات.. وهذا أمر مشوق..".