بشير خزعل
المخاطر الناشئة عن تراجع وتيرة النشاط الاقتصادي عالميًا، بسبب اتجاه أسعار الطاقة وحركة العملات والسياسات التجارية وتراجع برامج الدعم المحلي للصناعات الوطنية وجميع الظروف، التي خلفتها جائحة كورونا تنذر بمخاطر وتحديات اقتصادية كبيرة على سياسة الدولة العراقية في السنوات المقبلة، وعلى ما يبدو فإن مشكلة التوقيت الذي يؤخذ فيه القرار ستبقى مستدامة في العراق، خصوصا في الامور التي تلامس حياة المواطن بشكل مباشر، وبغض النظر عن الإيجابية أو السلبية وتداعياتها، التي ترافق قرار الحكومة من خلال رفع سعر صرف الدولار واستقطاعات رواتب الموظفين.
فإن قرار تأثير خفض العملة سيكون سلبيا في بداية المرحلة التي ربما تدوم لسنة او اكثر حسب اعتقاد اصحاب الاختصاص من الاقتصاديين، اما التجاذبات التي تطرح الرؤى المدافعة والمهاجمة لاجراءات الحكومة، فلم يجن منها المواطن سوى ارتفاع بالاسعار وارتباك في الاسواق، ومستقبل مقلق لأصحاب الدخل المحدود من الموظفين، فرضية خفض قيمة العملة العراقية لرفع اسعار السلع المستوردة ومنح السلع العراقية المصنوعة محليا قدرة على المنافسة، لم تكن موفقة بالمرة، فالبنى التحتية التي تؤهل المصانع العراقية لأن تكون مصانع منتجة، تكاد تكون شبه معدومة، وحتما ان تكاليف الانتاج المحلي ستكون باهظة على الصناعيين، والمواد الأولية التي يستوردونها من الخارج ارتفعت اسعارها بعد رفع سعر صرف الدولار، وهي ايضا تسهم في ارتفاع اسعار المنتج، وبغض النظرعن تاخر مستوى الصناعات العراقية بسبب افتقادها لميزة مواكبة التطور التكنولوجي لباقي دول العالم، ففي الوقت الذي كان على الدولة العراقية ان تستثمر في البنى التحتية بعد العام 2003، كانت الدولة وما زالت تدعم الاستيراد وتستنزف العملة الصعبة.
في بيان لوزارة المالية وآخر للبنك المركزي اوضحا ان قرار تغيير سعر الصرف من 1190 دينارا للدولار الواحد الى 1450 دينارا «ضروري للاصلاح الاقتصادي»، وهو امر لم يفهمه الشارع العراقي، خطوة خفض قيمة العملية العراقية كان يجب أن تكون مرافقة لخطوات أخرى، لأن العراق ليس بلدا صناعيا تصح فيه فكرة خفض العملة لدعم الصناعة، كما ان اعتقاد وزارة المالية من ان قرارها الاخيرسيوفر مبالغ اضافية لتغطية الرواتب، تجاهل انخفاض قيمة تلك الرواتب،ولم تكتف ذلك، بل ذهبت في مشروع لاستقطاع رواتب الموظفين لتزيد من حجم الانتكاسة المالية لفئات وشرائح اجتماعية واسعة، ولم يبق من امل سوى البرلمان ليتدارك حجم المشكلة و مراعاة الظروف الحالية، غير المهيأة لمثل هذا القرار، فقد ينزلق العراق في دوامة انهيار اقتصادي كبير محفوف بالمخاطر في بلد غير مستقر سياسي وامني، لكن الرواتب التي تدفعها الدولة كانت أحد أهم عوامل استقراره النسبي، المواطن البسيط لم يعد مهتما بالتبريرات ومصطلحات المحللين والاقتصاديين والسياسين، بل يريد حلولا واستقرارا وسهولة العيش بكرامة، ومثل هذا القرار كان يجب أن يتخذ في العام 2003 عندما كانت الحكومة تملك اموالا لتشجيع الاكتفاء الذاتي وتحريك عجلة الاقتصاد وليس الآن .