متى نتخلص من أبو خزامة؟!

آراء 2021/01/08
...

 حارث رسمي الهيتي 
في واحدة من غرف بيتنا الهيتي الجميل، كانت هناك مجموعة من الصناديق الكارتونية مصفوفة بطريقة توحي وكأن صاحبها يحاول أن يبعدها عن الأنظار، لاحقاً عرفت ومن باب المصادفة إن ما تحتويه هذا الـ»الكراتين» التي كثيراً ما كانت محط ضجر وامتعاض جدتي وامي هي بعض من كتب أبي. 
واول ما تبادر الى ذهني هو لماذا كان أبي يضع بعض كتبه هنا في هذه الصناديق، رغم أن مكتبة بيتنا وبعض رفوفها كانت كفيلة بأن تحتضنها؟ طبعاً أسئلة مثل هذه لم يقدر لها أن تحصل على جواب حينها، يوم لم تكن عقولنا تعرف الممنوعات بعد. 
من بين مجموعة من العناوين التي استللتها يوماً من هذه المجموعة، كان كتاباً للدكتور علي الوردي، ولاحقاً عرفت انه كان جزءاً من كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث)، ومنذ ذلك الحين وعلي الوردي لا يفارق جدول قراءتي مطلقاً، فتراني أعود اليه بين الفترة والأخرى بشغفٍ عال. فهو عالماً اجتماعياً وحكواتياً ممتعاً ومصوّراً للفترة التي يتناولها باتقان جميل.
في جزئه الاول من هذا الكتاب القيّم يتحدث عن احتلال بغداد من قبل السلطان مراد الرابع، يتحدث عن «طوب أبو خزامة» المدفع الذي استخدمه السلطان «الفاتح» وجيشه للحصول على بغداد، هذا المدفع الذي نزل وبقدرة قادر منزلة المقدس، حتى بدأ الناس يتبركون به متناسين انه كان وسيلة من وسائل الاحتلال الجديد
 لمدينتهم. 
أهمية الوردي وما كتبه تكمن في راهنيتها في أغلب الأوقات، ففي عصرنا الحديث هذا ثمة الكثير من «طوب أبو خزامة» من حيث الجوهر، هذا الطوب الذي كانت أحد تمظهراته انه تحوّل الى أشخاص ما انفكوا يقومون بمهمة جدهم الأول «أبو خزامة» ويحظون بالمنزلة نفسها من الاحترام، حتى أصبحوا في عقول بعضنا مقدسات تمنح التبريكات!.