ثنائية العلاقـة بين الطبيعـة والثقافـة في التربية حي بن يقظان - أنموذجا -

آراء 2021/01/09
...

 أ.د. نجاح هادي كبة  
حي بن يقظان سرد البطل فيه شخص يدعى حي بن يقظان نشأ في جزيرة وحده ويرمز بمضمون فلسفي – شاعري الى كيفية تطور تفكير هذا الشخص ومن خلال العلاقة بين الطبيعة، الثقافة، البيئة، اما مؤلف السرد فهو الفيلسوف الاديب الاندلسي ابن طفيل (1106 - 1185م)، الراوي العليم في السرد، وقد اثرت هذه القصة في الادب الاوروبي وسبقت ايضا مفكريهم كشتراوس (1825 - 1899) في معرفة العلاقة بين الطبيعة والثقافة،
 الا ان ابن طفيل لم يصغ نظرية باسلوب منطقي لفظي لكنه اوحى من خلال طبقات السرد الى نظرية موجودة وترك الفكرة عارية، وذلك لان مصطلح ( منهج البحث العلمي ) ومصطلح (الطريقة العلمية) لم يكونا معروفين في زمانه سواء عند العرب اوغيرهم ومما لاشك فيه ان الانسان يحرك سلوكه عاملان هما الطبيعة، الثقافة من خلال البيئة، ويحيل مصطلح الطبيعة الى ما يرثه الانسان من قدرات وقابليات بايولوجية، في حين يحيل مصطلح الثقافة الى مايكتسبه الانسان من البيئة من عادات ومهارات، لقد استطاع ابن طفيل من خلال شخصية حي بن يقظان ان يعكس هذه العلاقة وباسلوب معرفي/ وجداني/ نفس حركي ومن خلال العلاقة بين الطفل ( حي بن يقظان ) والطبيعة اذ ألف الطفل الظبية وكانت اذا ابتعدت عنه اشتد بكاؤه ( فترى الطفل ونما واغتذى بلبن تلك
 الظبية) . 
وهذه عتبة اولى من طبقات السرد تمهد لما سيأتي من عتبات اخرى توضح العلاقة بين الطبيعة/ الثقافة وتؤكد غزيرة التألف الاجتماعي في طبيعة الانسان الموروثة ويرى ابن طفيل ان البيئة توثر في العلاقة بين الطبيعة/ الثقافة ( فما زال الطفل مع الظباء على تلك الحال، يحكي نغمتها بصوته حتى لا يكاد يفرق بينهما، وكذلك كان يحكي جميع مايسمعه من اصوات الطير وانواع سائر الحيوانات) لكن حين تزداد ثقافة الانسان لايكون اسيرا لتأثير
 البيئة. 
فنوازع الطبيعة البايولوجية تدعوه الى ان يميز ويقارن ويستدل ويستنتج لتظهر قوى النفس تدرجا ( فلما ثبت في نفسه أمثلة الاشياء بعد مغيبها عن مشاهدته، حدث له نزوع الى بعضها وكراهيته لأخرى، وكان في ذلك كله ينظر الى جميع الحيوانات، فيراها كاسية الاوبار والاشعار والريش، وكان يرى مالها من سرعة العدو وقوة البطش، ومالها من الاسلحة المعدة لمدافعة من ينازعها مثل القرون والانياب والحوافر والصياصي والمخالب، ثم يرجع الى نفسه فيرى مابه من العري، وعدم السلاح، وضعف العدو، وقلة البطش عندما كانت تنازعه الوحوش اكل الثمرات، وتستبد بها دونه ) ثم ( كان يرى اترابه من اولاد الظباء وقد نبتت لها قرون، بعد ان لم تكن لديها وصارت قوية بعد ضعفها في العدو، لم ير لنفسه شيئا من ذلك كله)، وهكذا تدفع الطفل الى التفكير غريزته الطبيعية، لا اراديا نتيجة لتطور ثقافتة ( فكان يفكر في ذلك ولا يدري
 ماسببه . 
وكان ينظر الى ذوي العاهات والخلق الناقص فلا يجد لنفسه شيبها فيهم ) ثم تدعو الطفل طبيعته بحكم تطور ثقافته الى ان يتعمق في الاستدلال والقياس والاستنتاج ( وكان ايضا ينظر الى مخارج البراز من سائر الحيوان  فيراها مستورة، اما مخرج اغلظ الفضلتين فبالاذناب، واما مخرج ارقها فبالاوبار وما اشبهها ولانها كانت ايضا اخفى قضايا
 منه ) . وتزداد ثقافة الطفل ويزداد وعيه تبعا لحالة طبيعته وتعامله مع البيئة فيرى نفسه انه اسمى من الحيوانات ( فكان ذلك كله يكربه ويسوءه، فلما طال همه في ذلك كله وقد قارب سبعة اعوام ... اتخذ من اوراق الشجر العريضة شيئا جعل بعضه خلفه، وبعضه قدامه، وعمل من الخوص والخلفاء..  حزام على وسطه ) لمقاومة الحيوانات لكن مهما تطورت طبيعة الطفل، فانها لا تلاحق الثقافة لان الثقافة واسعة الافاق (وكان يرى البحر قد احدق بالجزيرة من كل جهة فيعتقد ان ليس في الوجود سوى جزيرته تلك.
ويؤكد ابن طفيل ان الطفل يميل الى التجريب حين تزداد ثقافته اذ عرف استخدام النار واتفق في بعض الاحيان ان انقدحت نار في اجمه فلما بصر بها رأى منظرا هاله، فوقف يتعجب منها مليا، فاهتدى الى ان يأخذ قبسا لم تستول النار عليه، فلم يستطع القبض عليها، فاخذ بطرفه السليم والنار في طرفه الاخر، وحمله الى موضعه الذي كان يأوي اليه )، ( وبمباركة الله تعالى في طباعه من الجرأة والقوة ) . وهكذا تتبع ابن طفيل خطوات زيادة تفكير الطفل باسلوب سايكلولوجي من خلال الصراع بين الطبيعة/ الثقافة في البيئة 
المعيشة.