صنابير الكآبة

ثقافة 2021/01/09
...

علي وجيه 
 
لا شيء يُثير غثياني، مؤخراً، وخوفي أيضاً، أكثر من مشاهدتي شاباً عراقياً، أو شابة عراقيّة، ينشرون مقتطفات معيّنة، لأدباء معيّنين، والأمرُ قد يكون مفرحاً مع أدباء آخرين، لكنّ مَن أقصدهم، هم كتّاب ولدوا معذّبين، ثم اختاروا تسميم الهواء لعقود بعد كتابتهم مؤلفات تحفل بالسواد.
أخاف على بنتٍ صغيرة، تستعيدُ سيلفيا بلاث، وعلى شاب صغير وهو يكرّرُ قراءة سيوران، ولوتريامون، وبيكيت، وكامو في بعض الأحيان، لكن الأمر لا يكتفي بهذا القدر، ثمّة تلبّس عجيب بِما يوقفُ إيقاع الحياة، فالأيقونة السينمائية هي الجوكر، أو مُعذّب في «إصلاحية شاوشنك»، أو باكٍ في زقاق مليء بالحقائب الفارغة في «ذي بيانست»، وغيرها، ثمّ يدخلون إلى الموسيقى بكوارثها المُحطِّمة، ويحضرُ سلمان المنكوب، أو إيديث بياف، أو أغانٍ حزينة معيّنة لمطربين آخرين.
من المفترض أن يتعامل هؤلاء الشباب مع ما يُبهِجُ وإن كانت بهجةً تافهة وراقصة رقصَ مجانين، ومن المفترض أيضاً أن لا يُنهوا رأسمالهم الرمزيّ بالاحتمال وهم ما زالوا مراهقين، فهم لم يتزوّجوا بعد، أو يحملوا مسؤولية شيء ما، لكنه الفراغ، وفقدان الأمل، الذي يجعلهم يبتعدون عن عاشق حياة كبير مثل درويش، أو إحسان عبد القدوس، أو نزار قباني، والركض وراء سرب المنتحرين والداعين للانتحار ابتداءً من صادق هدايت، مروراً بسيوران، وليس انتهاءً بسارتر.
ثمّة سياقات محددة للفلسفة الوجودية، والفلسفة العدميّة، أنتجت آثارها بسببها، لكن وجود ما تقدم لدى القارئ الشاب المراهق، هو فقدان الأمل والهدف، لأسباب اقتصادية سياسية، وليست وجودية.
غالبية هؤلاء الشباب، لو توفّرت لهم فرصُ العمل، وإمكانية تفريغ الطاقة التي يحملونها، وغير ذلك، لَما مرّوا إلاّ خفافاً على صنابير الكآبة هذه المفتوحة فوق رؤوسهم، لا أن يقضوا نهارهم مع مَن يحطم كلّ بذرة تفاؤل، أو ابتسامة.
لم تأتِ كلّ حالات الانتحار من الفراغ، نحن نقرؤها بشكل يومي، وتحيط بنا، نصوصاً وغناءً وعنفاً يملأ الهواتف، ثم زعيقاً سياسياً واختفاء أيّ أمل للبناء، بحيث تبدو أن فرصة تطوّع هذا الشاب أو ذاك في سلكٍ عسكريّ هي فرصة للحياة، رغم أنها في أخطر بلد في المنطقة ربّما!
حاولوا، أصدقائي، أن تقرؤوا ما يجعلكم تفتحوا ابتساماتكم بوجه النهار، وأن تصنعوا من فقدان الأمل ذخيرة للوقوف وصناعة أمل شخصيّ، لا قراءة كاتب مثل سيوران، ظلّ يدعو للانتحار في عدّة كتب، ولم يمت إلاّ حين تجاوز الثمانين!