ستيفن هوف
ترجمة: مي اسماعيل
أجبرت جائحة كورونا عازف البيانو «ستيفن هوف-Stephen Hough» على العزف في أوقات متباينة.. من دون فواصل (للاستراحة)، وقد أحب هذا النمط بحيث لا يرغب في التخلي عنه.. يقول كاتب المقال؛ العازف البريطاني الشهير «ستيفن هوف»: «حينما نشر كتابي «أفكار عاصفة-Rough Ideas» أواخر سنة 2019، لم يدر بخلدي (مثل أغلب سكان الكوكب) كم ستتغير حياتنا سريعا سنة 2020 بسبب وباء «كوفيد- 19».
ما زالت فصول العمل الموسيقي من تأليف وتدريب وتسجيل وثيقة الصلة بمستجدات التعامل مع الوباء؛ لكن الأجزاء التي تتعلق بوقوف العازف على المسرح والتنقل بين المدن المختلفة والاستعداد خلف الكواليس والارتحال بين المطارات والسكن في الفنادق؛ وكلها باختصار تصف حياة عازف البيانو؛ باتت تبدو كمشاهد من عالم آخر. هناك جوانب أخرى يمكن توثيقها اليوم؛ مثل العزف أمام جمهور قليل متباعد يختفي تفاعله مع الموسيقى وراء الكمامات، ووضع لوائح للسلوك على المسرح ووراءه.
أنا مقتنع أننا سنعود مع الوقت الى منهاج الحفل الموسيقي الكامل وجدول المسرح؛ ولكن في الوقت الراهن هناك تعديلات يجب العمل بموجبها، وقد ينتهي المطاف ببعضها لأن تصبح تغييرات
دائمية.
«أحد المواضيع التي كتبتُ عنها والتي وجدت صدى لدى القراء هي فكرة إلغاء فواصل الاستراحة بين المقطوعات وإقامة عروض موسيقية أقصر، تستمر لنحو 60-80 دقيقة. ربما يمكن بدء العروض في أوقات متباينة، مع إمكانية تكرارها في الليلة ذاتها. أصبح هذا النمط المتقلص هو المعيار بسرعة منذ بدء الجائحة؛
ليكون حلا ملائما يتماشى مع متطلبات الصحة والسلامة الجديدة.. وأنا أحب هذا النظام.. منذ آب 2020 قدمتُ عروضا بهذا النظام مع فرق «فيلهارمونيا أوركسترا» و»ليفربول فيلهارمونيك» وغيرها في مدن متعددة، وفي أثناء ذلك قمنا بالتدريب، وكررناه ليتمكن المزيد من الجمهور المتباعد القليل الحضور. كان أمرا جديا يتطلب التركيز، مع متسع من الوقت لتنويع المسار.
تنويع أوقات العروض
«تكرار العروض (كما حدث في ليفربول على سبيل المثال) لم يكن فقط فرصة للجمهور باختيار وقت الحضور فحسب؛ بل فرصة للعازفين لاستكشاف المقطوعات بشكل أكثر عمقا. تمنيت مرارا، وأنا استريح بعد تقديم العروض في الماضي؛ أن تتاح لي فرصة عزف ما قدمت ثانية؛ أما لأن أدائي لم يكن ممتازا فتمنيت أن أصلح الأمور، أو لأنه كان جيدا فأردت أن أعيش ذلك الشعور من جديد. أحسستُ وأنا أعزف مقطوعة «الامبراطور» لبيتهوفن في ليفربول عند الساعة الرابعة مساءً بإحساس مختلف عما أحسسته في عرض الساعة السابعة والنصف مساء؛ وبدا لي أن تقنية الأداء في فترة ما بعد الظهر قد اتسعت إلى مفهوم أكبر بحلول المساء؛ وكأن الامبراطور ارتدى حلة أخرى..
«في وقت ما بداية القرن الماضي استقرت العروض السمفونية عند نمط معين؛ إذ يجب أن تبدأ الحفلة في المساء المبكر وتستمر لنحو ساعتين، تتخللها استراحة تتراوح بين 15-20 دقيقة، يهرع خلالها الجمهور لتناول كأس من النبيذ أو الى الحمام!! هنا تظهر صفوف من المنتظرين أمام أحد الموقعين. واذا قدمنا أقصر من ذلك نتلقى شكاوى الجمهور، وكذلك الحال اذا قدمنا عرضا أطول؛ مع أجور العمل الاضافي للعاملين خلف الكواليس.
هذا التقليد خدم الكثيرين بطرق متعددة؛ لا سيما أن أوقات عمل أغلب الناس كانت متشابهة وكان الحصول على الموسيقى المسجلة أصعب نوعا ما. في العرض السيموفوني الحي كان بالامكان الاستماع لفرقة كبيرة تؤدي سمفونيات طويلة، وعرض يضم عازفا منفردا زائرا، اضافة «للمقبلات».. وأعني بها- معزوفة حديثة التأليف من مؤلف ما زال حيا، وتكون عادة قصيرة بحيث لا تزعج الحضور، وطويلة بما فيه الكفاية لتسمح للمستمعين المتأخرين بالوصول الى القاعة. لكن جميع تلك التقاليد لا يجب أن تكون الأسلوب الوحيد لسماع عزف موسيقي حي.. والآن لم تعد كذلك..
الوصول الى قلب المؤلف
«كان هناك دائما تنوع في أوقات بدء حفلات العزف الموسيقي؛ من ساعة الذروة (السادسة مساءً) حتى ما بعد وجبة العشاء (العاشرة والنصف مساءً)؛ لكن الشيء المشترك بينها وجود فاصل الاستراحة.
يمكن القول إن هذا أمر مفهوم تماما بالنسبة لعروض الباليه أو الأوبرا؛ إذ يجب تغيير الديكورات ويكون المغنون والراقصون بحاجة للراحة، كما أن الاعمال المقدمة تكون عادة طويلة والاستراحة مقررة ضمنها.
لكن من الذي فرض أن حفلة اوركسترالية موسيقية يجب أن تستمر لمدة ساعتين تتخللها استراحة، حتى يشعر المستمعون أنهم يحصلون على كامل قيمة التذكرة؟ قد يرى البعض أن الاستراحة وقت للتواصل الاجتماعي؛ ولكن هل هذا حقيقي؟ أليست فترة قصيرة لا يكاد يهرع خلالها الجمهور الى المقصف ويتبادل بضع كلمات حتى يسرع عائدا الى مقعده قبل بدء الجزء التالي من العرض؟
«عندما تعزف من أجل جمهور يُقدّر الموسيقى، يمكن أن يتكون تأثير عاطفي تراكمي في القاعة حيث يدخل الجميع العالم الشامل
لعقل وقلب المؤلف. والتحول الى الدردشة الخفيفة خلال الاستراحة سيهبط بالجمهور للواقع بشكل يشبه الرجة؛ ويتطلب اعادة تهيئة الذهن من جديد. وكذا الحال بالنسبة للعازف؛ الذي يقضي الوقت متوترا بانتظار استئناف العرض، ليحافظ على المزاج حتى يعود الجمهور الى مجلسه ويستقر. سيكون هناك دائما مكان للعروض الاوركسترالية ذات المدة التقليدية، ولكن حان الوقت لتبني خيارات مختلفة ايضا؛ خاصة حينما تكون تلك الخيارات الجديدة هي البديل الوحيد المتاح الآن (في ظل الجائحة). ورغم أن الجائحة سبب لتلافي الوقوف في صف طويل لتناول المشروبات أو لمغادرة القاعة بعد ساعة واحدة من العزف (وهو سبب جديد)؛
فإن المبدأ وراء هذه الفكرة يبقى قائماً.. يمكننا أن نترك خلفنا الترتيب «الفيكتوري» (= منذ عهد الملكة فيكتوريا. المترجمة) للعروض الموسيقية بقدر ما استطعنا ترك العربة التي يجرها
الحصان..».
صحيفة الغارديان البريطانية