الحب في مكان آخر مأزق امرأتين

ثقافة 2021/01/10
...

هدية حسين
 
.. وما أكثر مآزق المرأة في الحياة إذا ما تعلق الأمر بعلاقات الحب، ندوب كثيرة تخلفها تلك العلاقات إذا ما سارت السفينة بغير ما تشتهي القلوب، ولا فرق بين نساء الأرض جميعاً، فالحب هو الحب بحلاواته ومراراته، لكن طريقة الشفاء من العلاقات الفاشلة تكون أسرع عند المرأة الغربية عنها مما هي عند المرأة العربية، فالغربية تسعى للملمة جراحها ومواصلة حياتها، بينما تركن العربية الى ذكرياتها التي تستمر حتى آخر العمر أحياناً، وتبقى مثل وشم يستعصي على الإزالة، هذا بشكل عام مع وجود استثناءات طبعاً.
الروايات الورقية تناولت تلك العلاقات آلاف المرات، وكذلك فعلت الروايات المرئية، أقصد الأفلام السينمائية، بطرق متشابهة حيناً ومختلفة في تفاصيل قليلة أحياناً 
أخرى، لكن المخرجة وكاتبة السيناريو نانسي مايزر قدمت لنا معالجة مختلفة في فيلم the holiday (الإجازة) الذي قام ببطولته كل من كيت وينسليت، 
وكاميرون دياز وجود لو وجاك بلاك، فما هي الفكرة التي عالجت من خلالها تلك الجراح؟
إذا تمزق ثوب يمكن إصلاحه، لكن في عالم الحب يصعب الأمر، لأن الخيط الذي ينسلت سيجر معه خيوطاً أخرى ولم يعد الثوب صالحاً للاستخدام، وفي عالم الحب (الخدش غير مقبول) كما قالت إحدى الشخصيات في الفيلم، وعليها تأسس الكثير من المفاهيم، عليك أن تعالج الخدش لا أن تُرقّعه، وسيبدأ الفيلم أولاً بأيرس (كيت وينسليت) شابة تعمل في مؤسسة صحفية، تحب صحفياً معروفاً وتعمل معه على تنقيح ما يكتبه، وتحاول بشتى الطرق لفت انتباهه، وهو لطيف معها حتى 
أنه لا ينسى هدية عيد الكريسمس، لكنها تفاجأ في حفل تلك المؤسسة بإعلان خطبته من امرأة أخرى، فينفطر قلبها وتدخل في كآبة حادة وبكاء متواصل، وعلى الطرف الآخر في بريطانيا ثمة امرأة تدعى أماندا (كاميرون دياز) تتعرض لخيانة حبيبها بعلاقة جسدية مع امرأة أخرى، فينقلب عالمها، وهي لا تذرف 
الدموع إلا أن عصبيتها لا تقف عند حد، وكل واحدة منهما تعتقد في الحالة غير 
المتوازنة التي هي عليها بأن الأبواب أغلقت والطرق لم 
تعد سالكة، لكن أيرس التي تعيش في بريطانيا ستخطر على بالها فكرة 
قضاء إجازة لمدة اسبوعين في مكان بعيد لعلها تجتاز أزمتها، فتكتب إعلاناً على الإنترنت لمبادلة منزلها مع منزل آخر لشخص 
واحد خلال هذه الفترة، وبالمصادفة، عندما تبحث أماندا عن أي شيء لقتل الوقت والتخفيف من آلامها، تعثر على ذلك الإعلان،  
وهي أصلاً تعيش في أميركا، بهذه الطريقة ستهرب كل واحدة منهما الى بلد مختلف وأناس مختلفين لعلها تعيد التوازن الى نفسها المنكسرة وتفكر كيف ستعيش الحياة، لأن المكان الثابت لن يخرجك من المأزق بل سيكرر عليك الذكريات السيئة، وهكذا تتم عملية تبادل المنازل، التي 
بدورها ستلعب دوراً كبيراً ليس في الشفاء حسب، بل في اللقاء بمن يستحق الحب ويبادله بالطريقة نفسها، فتعود 
سفينة القلب الى جادة صوابها بعد 
ضياع.
وفي هذه الحالة تصح الحكمة التي قالها المفكر ابراهيم الفقي (هناك أوقات نظنها النهاية، فنكتشف أنها البداية، وهناك أبواب نظنها مغلقة، ثم نكتشف أنها المدخل الحقيقي) ستبدأ الأشياء بهدوء، وبعقلانية، وبغير ما قصد مخطط له، تماماً كما النهر الهادئ الذي يسير بانسياب، تبدأ العلاقة وتأخذ مجراها الصحيح بتعرف كل امرأة الى الرجل المناسب، فالمسافات البعيدة لا تلغي تأشيرة الحب إذا ما تدفق، ولا توقف مجراه، والفيلم لا يقف عند حدود تلك العلاقة، بل سينفتح الى علاقات من نوع آخر تزودك بمعارف وقصص أخرى، من بينها شخصية ذلك الكاتب السينمائي التسعيني (آرثر أبوت) الذي انزوى في بيته ولم يعد يسير الا بمساعدة أحد، فضلا عن عربة ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو يسكن قريباً من البيت الذي جاءت إليه أيرس في أميركا، جسد شخصية آرثر أبوت 
الممثل التسعيني إيلاي والاك، إذ يحدث التعارف بينه وبين أيرس حين تراه يسير بصعوبة في الشارع فتتقدم صوبه وتساعده، فتُسعد بمعرفته وتدخل بيته الذي 
يعج بذكريات هوليوود ونجومها، وكان يظن بأن حياته توقفت بانتظار النهاية التي لا تسره، فإذا بأيرس تعيد إليه الأمل حتى قبل أن تتعافى من مأزقها، وستساعده في الكثير من أمور حياته، ولم يعد أسير بيته والمسافة القريبة منه، وإنما سنشاهد الاثنين، أيرس وآرثر يذهبان معاً الى 
المقاهي والمطاعم، وسيطلعنا على خبايا وأسرار لا يعرفها المشاهدون عن عالم هوليوود وهو بدوره سيساعد أيرس على تخطي أزمتها العاطفية ليفتح لها أبواب الأمل، ويمنحها خلاصة تجربته في الحياة، فتتعرف على الشاب مايلز 
(جاك بلاك) لتبدأ معه علاقة حب سليمة ورائعة، فالحب له القدرة على ترتيب ظروفه، وهكذا يرتب ويرمم أيضاً ما تخرب من روح أماندا التي تتعرف على غراهام (جود لو) وهو 
شقيق أيرس الذي يأتي لزيارتها ولا يعرف أنها تبادلت البيت، ليقول لنا الفيلم في نهايته بأن الحب الحقيقي قد يكون في مكان آخر.