الحاجة الى السلام

آراء 2021/01/11
...

 
 محمد كريم الخاقاني
تكمن  النزعة  نحو السلام في طبيعة النفس البشرية منذ الخلق الأول، لذا نجد بإن حالة السلام هي الأساس وبعكسها الحرب هي النزعة الشاذة التي يحاول البعض إشعالها، ومنذ ذلك التأريخ، شهد العالم الصراع بين حالتي السلام والحرب ولغاية الآن، فكثرة الحروب تدل على حالة غيرطبيعية تلقي بظلالها على العالم وبالتالي يكون الجميع متضررا منها سواء بشكل مباشر او غير مباشر لما لها من تداعيات سياسية واقتصادية
 واجتماعية.
درجت ادبيات السياسة على تعريف السلام بأنه حالة اللاعنف والمناقض للحروب، فالسلام على مستوى العلاقات الدولية يعني التوجه نحو حل النزاعات بالطرق السلمية وإشاعة روح التعاون حسب المبادئ والأهداف التي جاءت بها منظمة الأمم المتحدة، وقد تبنت المدارس الفكرية المفاهيم المتعلقة بالسلام، فالمدرسة الواقعية تبنت مفهوم السلام القائم على اساس التوازن الدولي لتحقيق السلام بمستواه العالمي، إذ عن طريق التوازن المطلوب بين القوى يتحقق الاستقرار وهو ما يؤدي بالمجمل الى تحقيق حالة السلام، وهو ما يُعرف سياسياً بالسلام السلبي، فهو كحالة غير دائمة ويهدد بنظام التوازن الدولي القائم، على العكس من تلك المدرسة
 الواقعية.
 يبنت المدرسة المثالية فرضية السلام الدائم او ما يُعرف اصطلاحاً بالسلام الإيجابي والهادف الى استمرارية السلام العالمي وذلك من خطوات تقوم بها الدول من اجل بناء سلام متحقق في المجتمع الدولي، وهذا يكون من خلال بناء مؤسسات تتبناها الدول ويسود فيها نظام القانون وفرص تحقيق العدالة للجميع. 
ويكون القصد من بناء المؤسسات دعم فكرة السلام العالمي، وبدوره يتطلب ذلك، دعم التطور في المجال الاقتصادي والتعاون في شتى مجالات الحياة البشرية وبما ينعكس إيجابياً على حركة تطور تلك المجتمعات، وتمتع الكل بالمساواة وأسس العدالة وسيادة الشعور
 بالجميع. 
ولم تغفل الأمم المتحدة عن تلك المقاصد التي يسعى اليها المجتمع الدولي وإشاعة روح السلام والتسامح، فكان هدفها الرئيس يتمثل في حفظ السلم والأمن الدوليين، وحسب المادة الأولى من الميثاق الأممي، فإن اهم المقاصد لقيام المنظمة يتمثل في حل النزاعات الدولية او الحالات التي يتسبب بالإخلال بحالة السلم وبما يتفق مع المبادئ الخاصة بالعدالة والقانون
 الدولي. 
إذ تنطبق تلك المبادئ وبشكل متساو على كل الدول والتقيد بها، فالميثاق يوفر البيئة المناسبة لتطبيق المبادئ القائمة على اساس احترام سيادة الدول والمساواة بينها من دون تمييز، وتحظى مبادئ السلامة الإقليمية بأهمية خاصة بقصد تحقيق السلم والأمن، وبالتالي عدم توظيف القوة او التهديد بها وبشكل يتعارض مع بنود الميثاق الأممي، فضلاً عن الالتزام بكل المقررات القانونية الدولية. 
 ومن هنا، تلتزم الدول بتطبيق اسس تنفيذ القانون وبناء المؤسسات المعنية بسيادة القانون وهو الضامن الحقيقي لترسيخ الأمن والاستقرار في جميع العالم، ومن شأن ذلك ان يؤدي الى حماية الحقوق المقررة قانوناً، ويسهم في منع النزاعات بين الدول وذلك عبر تسوية سلمية شاملة لكل المشكلات التي تنشأ بينهم،إذ ان الاعتراف بوجود مصالح مختلفة بين الدول لا يعني بالضرورة قيام الحروب بقدر ما يكون هناك توجيه للجهود والمساعي التي تقوم بها اطراف اخرى في اتجاهات متعددة من اجل الوصول الى بناء سلام
 مستدام.
 
* اكاديمي وباحث في الشأن السياسي