جريمة عناصر بلاك ووتر

آراء 2021/01/11
...



  زهير كاظم عبود 
 

تميزت شركة بلاك ووتر وهي من شركات الأمن الخاصة الأميركية، التي تعتمد على عناصر منبوذة وغاية في الخسة والانحطاط، وتعد بمثابة المنظمة السرية التي تعتمد أساليب القتل والإيذاء الشديد، ويتم اعتماد هذه الشركة لتميزها بأساليب العنف والقوة المفرطة، وأغلب عناصر هذه الشركة من المرتزقة الباحثين عن المال و المتوزعين بين فروعها، وغالبا ما تشترط  في عملها على الحصانة من الملاحقات القضائية في حال ارتكاب عناصرها جرائم جنائية وأفعال تخالف حقوق الإنسان واعتماد مفرط للقوة.

وبتاريخ 16/11/ 2007 كانت قوات الاحتلال الأميركي تعتمد هذه الشركة لحراسة مقراتها وبعض مراكزها المهمة، وبالرغم من الأساليب الإجرامية التي تقوم بها عناصر بلاك ووتر، فإن غضب الشارع العراقي والشكاوى، التي يطلقها الناس لم تجد أذنا صاغية لا من حكومتهم ولا من القوات الأميركية، بدليل أن استهتار عناصر الشركة بحياة العراقيين تجسد في حادثة ساحة النسور. 
حيث قام عناصر بلاك ووتر بإطلاق النار من الأسلحة النارية أثناء مرورهم في سياراتهم المدرعة والمحمية على مواطنين مدنيين أمنين، نتج ذلك مقتل 17 وإصابة أكثر من 20 مواطنا بجروح بليغة بشكل متعمد، من دون ان يكون هناك فعل أو شروع يستوجب ارتكاب مثل هذه الجريمة البشعة، ما جعل الشارع العراقي يغلي للمطالبة بطرد الشركة من العراق ومحاكمة القتلة أمام المحاكم العراقية، بالنظر لكون الضحايا من المجني عليهم جميعا من العراقيين، إضافة الى أن مكان وقوع الجريمة على الأرض العراقية، كما أن اغلب عناصر هذه الشركة هم من المرتزقة 
المدنيين.
ولغرض تهدئة الشارع العراقي تم إلغاء رخصة الشركة بشكل مؤقت، وتم إجراء التحقيق وفقا لهذا الايجاز، حيث تم تشخيص أسماء القتلة والمنفذين لهذه المجزرة الإنسانية، وخلافا للمنطق وتعديا على السيادة العراقية تم نقل الجناة الى الولايات المتحدة الأميركية. 
حيث أجريت التحقيقات من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، تأسيسا على أقوال المتهمين ومن دون الاستماع الى الشهادات والمجني عليهم من المصابين، وتوصلت التحقيقات الأميركية أن عناصر بلاك ووتر تعرضوا لكمين، وأن القتل والاصابات الحاصلة كانت دفاعا عن
 النفس. 
ومن طرائف العدالة الأميركية أن تتم محاكمة المتهمين بالقتل وهم أربعة، ان تتم ادانة قاتل واحد بجريمة القتل العمد، وادانة الثلاثة الباقين بتهمة القتل غير العمد، وزيادة في ابراز الوجه الحقيقي للعدالة في اميركا، ان القضاء عاد مرة أخرى ليلغي الاتهامات ويفند الفعل باعتبار انه لايجوز محاكمة المتهمين، أو اتخاذ أية إجراءات قانونية بحقهم لتمتعهم بالحصانة باعتبارهم ( قوات عسكرية
 أميركية). 
ولارتفاع سقف المطالبات الإنسانية وبشاعة الجريمة واشتراك منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، وطرح القضية في عدد من المحافل والمؤتمرات الدولية ما أثار ضجة دولية، نتج ذلك الى إحراج القضاء الأميركي قبل أحراج الحكومة الأميركية، مما استوجب إعادة النظر في القضية المرفوعة بحق المتهمين من قبل محكمة الاستئناف الاتحادية في الولايات المتحدة الأميركية، حيث أقرت محكمة الاستئناف بخطأ المحكمة السابقة في تكييف الفعل وفقا
 للقانون. 
وأعادت محاكمة المتهمين المذكورين بالاستماع الى شهادات عيانية ومنتجة بشكل سري، وأصدرت حكمها بإدانة قسم من المتهمين بالقتل العمد وقسم بالقتل غير العمد وقسم بالشروع بالقتل، بعد أن تمت ادانتهم من قبل هيئة المحلفين، وتم الحكم على متهم واحد منهم بالسجن مدى الحياة، والحكم على الاخرين بالسجن 30 سنة، وقسم بالسجن
 12 سنة.
 وأصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي خسر الانتخابات الأخيرة، وفي آخر أيامه في البيت الأبيض عفوا بالكامل عن المجرمين المدانين وهم كل من :1 - نيكولاس سلاتن 2 - بول سلاو 3 - إيفان ليبرتي 4 - داستن هيرد . 
والذي فات على القضاء الأميركي أن أحكام القانون العراقي، هي التي تتوفر للفصل في جريمة المذكورين، باعتبار أن الجريمة ارتكبت فوق الأراضي العراقية وفقا للاختصاص المكاني
 ( الإقليمي ). 
كما ان المتهمين المذكورين ليسوا من عناصر القوات العسكرية الأميركية، إنما هم من المدنيين المرتزقة الباحثين عن المال في أي منطقة يتم إرسالهم اليها، فبول سلاو يعمل في متجر لبيع المواد المنزلية على سبيل المثال، كما ان هناك جرائم قتل وشروع بالقتل متعددة مما يستوجب أن يكون الحكم في الجرائم الناتج عن الأفعال المتعددة لارتباطها ببعض وتجمع بينها وحدة الغرض أن يتم الحكم بالعقوبة لكل جريمة، إضافة الى توفر جميع الظروف المشددة للفعل والتي تشدد
 العقوبة. 
ويأتي صدور قرار العفو تنكيلا بجراح أهالي الضحايا، وتحديا سافرا للشعب العراقي والمجني عليهم، وإهانة واضحة للقضاء الأميركي، واستخفافا بحقوق الإنسان التي تزعم الولايات المتحدة احترامه، وانتهاكا للعدالة وتشجيعا لارتكاب مثل هذه الجرائم من قبل عناصر الحراسات والحمايات الأميركية مستقبلا، لتكون من دون عقاب، وليس غريبا أن يصدر مكتب حقوق الإنسان في الجمعية العامة للأمم المتحدة بيانا يستنكر فيه ويستهجن قرار العفو، ويزيدنا تأكيدا على زيف العدالة الأميركية هو عدم اعتماد الإنسان كقيمة لها معنى وكرامة
 وحقوق.