رحل قبل أيام رمز من رموز الثقافة العراقية المعاصرين، مودعا ارثا ثقافيا غنيا يتوزع بين أكثر من عشرين مجموعة شعرية ودراسات نقدية وقصص ونشاطات اجتماعية وسياسية وكتابات مسرحية، فضلا عن كونه رجلا حقوقيا، ليبقى كل ذلك شاهدا على شخصية وطنية مناضلة ارتبطت بجذور حضارة العراق، مسجلا رحيله الهادئ خسارة بالغة للأدباء والمثقفين والناشطين المدنيين.
فقد حزنت عليه كنائس ومساجد ومعابد العراق بقدر ما حزنت عليه كل مدن العراق وأنهاره وجباله وربوعه الخضراء وصحاريه، فهو يمثل الكلمة الحرة، منطلقا بها من مدينة النخيل وشط العرب ليمثل ثقافة العراقيين بامتدادها التاريخي، وهو يعكس حالة التميز الإبداعي للشخصية العراقية الجامعة.
التقيته وعرفته في محاضرة ألقيتها في اتحاد الأدباء العراقيين، قبل بضع سنين عن وحدة مصادر الثقافة العراقية، حينها صعد الى المنصة بعد انتهاء المحاضرة، مستأذنا من إدارة من كان يديرها، ليعبر عن عمق جذور وحدة الثقافة العراقية بروافدها
المختلفة.
مؤكدا التنوع الثقافي بصفته ناصية فكرية وإبداعية انصهرت فيها تلك الروافد المتنوعة، وهي تستمد أصولها من وحدة مصادر إبداعية مثلت خلال التاريخ أصالة المجتمع العراقي، الذي لا يقبل التجزئة لأي سبب كان، وهي حقيقة اجتماعية وحضارية عرفتها الحضارة العراقية في مراحلها الطويلة، فكاريزميات البناء الاجتماعي العراقي كفيلة بإعادته الى سابق عهده المتماسك بعد كل أزمة أو صدمة تنذر
بتقسيمه.
شغل الفقيد منصب رئيس اتحاد الكتاب العراقيين، وقد كان له تأثير كبير على مسيرة الاتحاد، فعرف بنزاهته وارتباطه بقضايا وطنه، ورسم ملامح جميلة عن انتمائه العراقي الأصيل، فلم يكن إلا عراقيا يدافع عن حقوق أبنائه بإنتاجه الأدبي ونشاطه
المدني.
إن الثقافة العراقية وهي تنعى أحد رموزها المخلصين، فإنها تضع أمام رموزها كافة أمانة التعبير عن الضمير الوطني والارتباط بتربة الوطن ووحدته وقيمه وتاريخه الحضاري، لكي يكون المستقبل أكثر إشراقا بهم، وعلى مسار الفريد سمعان نفسه في تمجيد القيم الحضارية العراقية الأصيلة، التي تعبر عن وحدة مصادر الثقافة العراقية، متحدية كل الصعاب والتحديات والأزمات التي تعترض مسيرة الحضارة العراقية القادرة على تجديد نفسها بقيم وأفكار ورؤى إبداعية حداثوية، منطلقة من الأصول التي تأسست عليها وحدة المجتمع العراقي خلال التاريخ.