ولد الكاتب صادق راووندوزي الذي زرته مؤخرا في أربيل واستقبلني بحفاوة بمدينة راوندوز عام 1964 حتى انتقل إلى بغداد لإكمال دراسته الجامعية بكلية الآداب قسم الاجتماع.
منذ الصغر كانت هواياته المفضلة كتابة الشعر وتدوين الاحداث اليومية وأسماء الشخصيات، التي يلتقي بها وتفاصيل أخرى، كما ولديه الكثير من المقالات والكتابات الشعرية في عدد من الجرائد والمجلات العراقية، واول مجموعة شعرية له هي (القلب والارض)، وبحكم تخصصه الاكاديمي انجز الكثير من البحوث الاجتماعية، لعل اهمها كان عن سجون الإقليم واوضاعها، وتم تحويل هذا البحث إلى كتاب لاقى رواجاً بالشارع في اربيل، وعندما سألته عن اختيار موضوعة السجون كمحور لكتابه اجابني قائلاً: “بعد سقوط النظام البعثي رغبت بعمل مقارنة بين السجون ايام النظام وبعده وانعكاسها على حقوق الإنسان، فكما تعلمون أن هنالك تغييراً جوهري طرأ على السجون بالعراق بعد سقوط النظام”.
هنا بادر إلى ذهني سؤال مهم عن حرية المثقف قبل وبعد 2003؟ وكان رأي راوندوزي هو “هناك حيز كبير للمثقف الآن في التكلم أو الكتابة بحرية للتعبير عن أفكاره”، ولكن لا يمكن القول انها حرية مطلقة، بل مقبولة قياساً مع الحرية المفقودة زمن النظام السابق. كان المثقف آنذاك يلجأ لرموز واستعارات للتعبير عن افكاره عند كتابة معاناة شعبه، أما الآن فرغم حرية طرح المواضيع والاسماء والمشكلات إلا أننا نطمح للمزيد.
منذ طفولتي ولدي علاقات مع العرب، تطورت وتجذرت في سنوات دراستي الجامعية عندما كنت أسكن بغداد واشارك الكثير من الفعاليات والمهرجانات الثقافية والشعرية هناك، ولكن المرحلة الأهم بحياتي كانت عند تهجيري مع أسرتي من قبل النظام البعثي السابق عام 1976 إلى محافظة الديوانية بقضاء الشامية، وتحديداً قرية الحاوي، ورغم المعاناة والتعذيب والمراقبة لسنوات، فاني تعرفت على الكثير من الاصدقاء هناك وحينها كنت بعمر تسعة أعوام.
وعندما، سألت الكاتب صادق راووندوزي عن تجربته بالسكن بعيداً عن موطنه الأصلي، وكيف وجد بيئة محافظة الديوانية وبماذا اختلفت عن اربيل؟
قال: في البداية واجهنا صعوبات لاختلاف البيئة تماماً عن راوندوز من حيث طبيعة المكان واللغة والعادات والتقاليد، ولكن الناس الطيبين في القرية شاركونا بكل شيء وخففوا عنا الضغط الذي كنا نعانيه كأسر مهجرة من قبل النظام السابق، إذ كان التزاور في ما بين المهجرين الذين تحت رقابة رجال الأمن ممنوعة طول الوقت. كان في القرية قرابة 18 بيتا من عشيرتي رغم ذلك فان جيراننا كانوا من أهالي القرية الاصليين، ورفاقي بالدراسة آنذاك، أحدهما اسمه لفتة والآخر علي ونطلق عليه اسم (علاوي)، والثالث اسمه كاظم، ومؤخراً وبعد مرور أربعين عاماً على تلك الاحداث زرت قرية الحاوي، وكان يرافقني الشيخ جلال الخزعلي وهو من وجهاء الشامية واوصلني للبيت الذي كنا نسكن فيه. حينها، سألت عن أصدقائي القدامى من الموجودين أين هم الان؟ وعلمت أن اثنين منهم استشهدا من سنوات طويلة، وخلال الزيارة ولقائي مع جيراني السابقين الذين تعرفوا عليّ فوراً، بدأ بكاء الجميع من دون استثناء، واول سؤال وجهوه لي عن سبب زيارتي لهم بعد كل هذه السنين، هنا صمتُ برهة وقلت لهم انا اتذكر دوماً عندما كنت طفلاً كيف كنتم تعاملونني بكل حب واحترام، ال آن عدت للقرية لأشكركم على ذلك.هنا بادر الى ذهني موضوع مهم ترجمته الى سؤال للكاتب راوندوزي، هل الفترة الزمنية التي قضيتها في الديوانية هي السبب والحافز الذي ولد لديك فكرة الشروع بكتابة القاموس العربي الكردي؟
تأمل الكاتب قليلاً ثم قال: فكرة القاموس والعمل عليه بدأت منذ الدراسة الاعدادية وتحديداً 17-12- 1983 وهو تأريخ اول مسودة كتبتها قبل 37 عاما، وجاءت الفكرة بعد التغيير الاجباري للمناهج الدراسية من النظام البعثي من الكردية إلى العربية، فأصبح هذا الموضوع حافزاً كي اتواصل مع زملائي واساتذتنا الجدد، الذين قدموا من محافظات عدة إلى اربيل لغرض تدريسنا المنهاج الجديد.
ويمضي بالقول: قمت بتدوين كل كلمة عربية تأتي امامي واترجمها للكردية، كي نستفاد منها نحن الطلبة، وهنا بدأت بقراءة اي قاموس أو كتاب يساعدني لإنجاز عملي هذا، إذ عزمت على اتمامه للنهاية، ولعل أهم ما قرأت (قاموس مهاباد) وهو كردي – عربي، حيث انجزته الآن قاموس عربي – كردي، ولكن بعد دخولي لجامعة بغداد واختلاطي بزملائي في كلية الآداب تطورت مسودات مشروعي بشكل كبير، وفي عام 2015 بدأت لدي فكرة تحويل هذه المسودات لقاموس مطبوع عبر إدخال المسودات القديمة كافة.
وربما أهم مرحلة مفصلية من مراحل اكتمال “قاموس صادق” هي التنقيح والتصحيح اللغوي. حيث تكفل العالم اللغوي الكبير جلال زنكبادي على تنقيح ومراجعة القاموس في 3 أعوام، بالرغم من حالته الصحية غير مستقرة، وقال راووندوزي معلقا على ذلك، إن اهم ما قاله الزنكبادي عن القاموس (إنه منجز كبير وسيكون بصمة بتاريخيك الثقافي على مر الأجيال).ويضم “قاموس صادق” قرابة الثمانين ألف كلمة لا يمكن الاستغناء عنها كما قال مؤلفه، وتمت كتابته بطريقة بسيطة للقارئ، حيث عالج اللهجات السورانية والبادينية بطريقة جديدة وعلمية وهي الخلط بين اللهجتين، ورغم ان الكاتب (حسب قوله) قد تناول ابوابا حكومية وغير حكومية بالإقليم لطباعة قاموسه، إلا ان جميع محاولاته باءت بالفشل، حتى قرر طباعته على نفقته الخاصة، الذي يأمل ان ترى طبعة الثانية التي تضم كلمات جديدة النور قريباً. ويأمل الكاتب أيضا أن يصل قاموسه لمسقط رأسه الثاني محافظة الديوانية، كي يستفاد منه اصدقاؤه وجيرانه، ويزيد من معرفتهم وثقافتهم باللغة الكردية. وفي السؤال عن تسميه القاموس بـ (صادق) قال: ما عدا كونه على اسمي، إلا أني رغبت باختيار اسم قريب للغة العربية والبيئة العراقية وسهل اللفظ بدلا من اختيار اسم كردي للقاموس يصعب تلفظه، فحرف الصاد موجود فقط باللغة العربية، “ان هناك في كل بيت عراقي شخص أسمه صادق “، وفق تعبيره.